ممكن ، فكان قتل تارك الصلاة من حيث تعذر استيفاؤها منه ، بمثابة قتل تارك الزكاة إذا انحاز إلى فئة.
قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ، الآية / ٦.
اعلم أن هذا لا دلالة فيه على أمان مشرك ، ووجوب بذل الأمان فيمن يطلب الأمان ، وذلك أن الله تعالى إنما ذكر ذلك وشرع الأمان لفائدة ، وهي سماع الأدلة من كتاب الله تعالى ، والكفار متى طلبوا تعرف التوحيد والعدل وبطلان ما هم عليه وجب ذلك ، وإذا وجب على الرسول صلّى الله عليه وسلم ، وجب على سائر الأمة ، بل على سائر المجاهدين.
ولا يحل للمجاهد قتل الكافر مع طلبه التعرف للدين ، والوقوف على الأدلة ، لأنه لو حل قتله ، لم يجز أن يجار وأن يؤمن ، فلذلك لا يجوز أن يخلو المجاهدون من العلماء ، لأنه لا يأمن أن يكون في الكفار من يلتمس ذلك ، فإذا لم يجد من يحل شبهته ، ويثبت له طريقة الحق ، لم تجز مقاتلته.
فلو قالوا : إنا نريد الوقوف على طريق الحق وتمييزه عن الباطل ، فأمهلونا ودعوا مقاتلتنا ، لوجب ذلك ، وكما يجب أن يكون في عسكر الإسلام من يستعد لقوة الدين بالسلاح والعدة ، فكذلك يجب أن يكون فيهم من يستقل بقوة المناظرة وتعريف الأدلة.
فقوله تعالى : (فَأَجِرْهُ) ، أمر دال على الوجوب ، ولا وجوب إلا عند هذا الغرض ، وليس هذا الغرض من الأمان المعروف في الشرع في شيء ، فإن الامان هو الذي يحصل بسبب من المسلم موقوفا على خيرته : إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، وفي الاستجارة لغرض الاستماع لكلام الله عز وجل ، يجب الأمان ، وتنكف السيوف عن رقبته ، ويتحرس (١) دمه متى طلب ذلك ، سواء كان جرى منا الأمان أو لم يجر.
__________________
(١) تحرس : تحفظ.