رعبا ، فإذا أثخن في الأرض بالإكثار من القتل ، يجوز أن يكون له أسرى ، فدل من هذا الوجه ، أن الجهاد من تكليف سائر الأنبياء ، فلذلك عمهم تعالى به.
وقال قائلون : كأن الله تعالى أمرهم بإكثار القتل بقوله : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)(١) ، لكي يعظم الرعب في قلوبهم ، فيكفهم ذلك عن المحاربة ، ويميل بهم إلى الإسلام والمسالمة ... فأبى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر ، إلا أسر بعضهم رغبة في الفداء ، فصار ذلك معصية منهم ومخالفة.
فإن قيل : أفكان النبي عليه الصلاة والسلام موافقا لهم؟
قيل : بل كان صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالإثخان ، وبلغهم ذلك من الله تعالى ، ولذلك كانوا عصاة بترك الأمر.
فإن قيل : فلم أضاف الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ فقال : ما كان لنبي أن يكون له أسرى؟
قيل : من الممكن أنهم أسروا الكفار ليسلموهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل : لم توقف بعد الأسر في قتلهم ، واستشار أصحابه ، فأشار عمر بقتلهم ، وأشار أبو بكر باستبقائهم؟ فالجواب : أن ذلك لتجويز تغيير التعبد بعد الأسر ، وإن كان الواجب من قبل القتل.
قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) ، الآية ٦٨ :
حمله قوم على إسراع المسلمين في الغنائم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ،
__________________
(١) سورة الأنفال آية ١٢.