الحنث راجع إلى اليمين ، فكانت اليمين سببا ، وليست اليمين عبادة لا يمكن جعلها سببا للكفارة.
فإن الإكثار من العبادات مندوب إليه ، والإكثار من اليمين منهى عنه.
والإكثار من العبادات تعظيم الله تعالى ، والإكثار من اليمين تعريض الإسم للابتذال.
فصح على هذا المعنى جعل اليمين سببا ، على خلاف ما رآه أبو حنيفة ، وجاز لأجله تقديم الكفارة على الحنث ، وجاز لأجله فهم إيجاب الكفارة في اليمين ، على فعل الغير وعلى فعل نفسه ، وعلى ما يجب فعله ، وعلى ما لا يجب ، وهو أصل الشافعي في الأيمان ..
قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ (١) فِي أَيْمانِكُمْ) (٢٢٥) :
اعلم أن اللغو مذكور في القرآن على وجوه ، والمراد به معاني مختلفة على حسب اختلاف الأحوال التي خرج الكلام عليها.
فقال الله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(٢) يعني كلمة فاحشة قبيحة.
و (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً)(٣) على هذا المعنى ، وقال :
__________________
(١) قال الراغب الأصفهاني : «اللغو من الكلام ما لا يعتد به ، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى (اللغا) وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور» أه ص ٤٥١.
ويقول الفخر الرازي : (اللغو : الساقط الذي لا يعتد به ، سواء كان كلاما أو غيره ، ولغو الطائر تصويته ، ويقال لما لا يعتد به من أولاد الإبل لغو» أه ج ٦ ص ٨١.
(٢) سورة الغاشية آية ١١.
(٣) سورة الواقعة آية ٢٥.