وهو معنى قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ).
والوجه الثاني في التأويل : أن يكون معنى قوله : (عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) ، يريد به كثرة الحلف ، وهو نوع من الجرأة على الله تعالى ، والابتذال لاسمه في كل حق وباطل ، ومن أكثر من ذكر شيء ، فقد جعله عرضة ، كقول القائل :
«قد جعلتني عرضة للومك».
وذم الله تعالى مكثر الحلف بقوله تعالى :
(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ)(١).
والمعنى : لا تعرضوا اسم الله تعالى ، ولا تبتذلوه في كل شيء ، لأن تبروا إذا حلفتم ، وتتقوا المأثم فيها ، إذا قلت أيمانكم ، لأن كثرتها تبعد عن البر والتقوى ، وتقرب من المأثم والجرأة على الله تعالى ، وكأن المعنى : إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة عليها ، لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح ، فكونوا بررة أتقياء ، كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٢).
فأفادت الآية المعنيين ، ومتضمنهما النهي عن ابتذال اسم الله سبحانه واعتراضه باليمين في كل شيء ، حقا كان أو باطلا ، والنهي أيضا عن جعل اليمين مانعة من البر والتقوى والإصلاح.
ودل ذلك على أن اليمين يجوز أن يجعل سببا للكفارة كما قاله الشافعي لأن اسم الله المعظم ، صار متعرضا للابتذال بوصف الحنث ، ووصف
__________________
(١) سورة القلم آية ١٠.
(٢) سورة آل عمران آية ١١٠.