وقال قوم : إذا لم يجز فى الاستثناء لفظ الإيجاب لم يجز البدل ، فيقولون : ما أتانى إلّا زيد ، على البدل ، لأنه يجوز : أتانى القوم إلّا زيدا ، ولا يقولون : ما أتانى أحد إلّا زيد ، لأنه لا يجوز : أتانى أحد.
قال أبو سعيد : ولأنه قد أحاط العلم : إنا إذا قلنا : ما أتانى أحد ، فقد دخل فيه القوم وغيرهم ، فإنما ذكر بعض ما اشتمل عليه أحدهما يستثنى بعضه.
وقد (١) احتج عليهم سيبويه ببعض ما ذكرناه ، بأن قال : كان ينبغى إن قال ذلك أن يقول : ما أتانى أحد إلّا وقد قال ذاك إلّا زيدا ، والصواب فى ذلك نصب «زيد» و، ما أتانى أحد إلّا قد قال ذاك إلّا زيدا ؛ لأنك لما قلت : ما أتانى أحد إلّا قد قال ذاك ، صار الكلام موجبا لما استثنى من المنفي ، فكأنه قال : كلهم قالوا ذاك ، فاستثنى «زيدا» من شىء موجب فى الحكم ، فنصب ، وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل بما ذكر من جواز : ما أتانى أحد إلّا زيد ، ومنع : ما أتانى القوم إلّا زيد ، فإن قال : / إن كان يوجب النصب لأن الذي قيل «الا» جمع ، فقد قال الله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) (٢) بعد الجمع ، وإن كان جواز الرفع والبدل لأن الذي قبل «إلا» واحد ، فينبغى أن يجيزوا الرفع فى قولهم : ما أتانى إلّا أحد إلّا قد قال ذاك إلّا زيد ، فالواجب فيه النصب ، وإنما ألجأهم سيبويه ، إلا أن يقولوا : الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل «الا» نفيا فقط ، جمعا كان أو واحدا.
__________________
(١) الكتاب (١ : ٣٦).
(٢) النور : ٦.