فإن قلت : فمن نصب «أو يرسل» كيف القول فيه مع انفصال الفعل ب «أن» وكونه معطوفا على الحال؟
فالقول فيه : إنه يكون المعنى : أو بأن يرسل ، فيكون «الفاء» على هذا فى تقدير الحال ، وإن كان الجار محذوفا.
وقد قال أبو الحسن فى قوله : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (١). (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) (٢) : إن المعنى : وما لكم فى أن لا تأكلوا ، وأنه فى موضع حال ؛ كما أن قوله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٣) كذلك ، فكذلك يكون قوله : «أو يرسل» فيمن نصب ، فى موضع الحال ؛ لعطفه على ما هو حال.
قال أبو علىّ فى موضع آخر : ما بعد حرف الاستثناء لا يعمل فيما قبله ، فلا يجوز: ما زيد طعامك إلّا أكل ؛ لأن «إلا» مضارع لحرف النفي. ألا ترى أنك إذا قلت : جاءنى القوم إلّا زيدا ، فقد نفيت المجيء عن «زيد» ب «إلا» ، فكما لا يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله ، كذلك لا يعمل ما بعد «إلا» فيما قبلها. فإن قلت : فهلّا لم يعمل ما قبلها فيما بعدها ؛ فلم يجز : ما زيد آكل إلّا طعامك؟ قيل : ما قبلها يجوز أن يعمل فيما بعدها ، وإن لم يجز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ألا ترى أنه قد جاز : علمت ما زيد منطلق. وقوله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٤) (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٥) ، فيعمل ما قبلها فيها ، ولم يجز ما بعدها أن يعمل فيما قبلها.
__________________
(١) البقرة : ٢٤٦.
(٢) الأنعام : ١١٩.
(٣) المدثر : ٤٩.
(٤) فصلت : ٤٨.
(٥) الإسراء : ٥٢.