المتم السبعين
هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلّا على ما قبله ، وقد تم الكلام
فمن ذلك قوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) (١). ف «بادى» الرأى ، منصوب بقوله «اتبعك» ، وهم لا يجيزون : ما أعطيت أحدا درهما إلّا زيدا دينارا ، وجاز ذا هاهنا ؛ لأن «بادى» ظرف ، والظرف تعمل فيه رائحة الفعل.
وقيل : هو نصب على المصدر ، أي : ابتداء الرأى.
قلت : وذكر الأخفش هذه المسائل وفصّل فيها ، فقال : لو قلت : أعطيت القوم الدراهم إلّا عمرا الدرهم ، لم يجز ، ولكن يجوز فى النفي : ما أعطيت القوم الدراهم إلّا عمرا الدرهم ، فيكون ذلك على البدل ؛ لأن البدل لا يحتاج إلى حرف ، فلا يعطف بحرف واحد شيئان منفصلان ، وكذلك سبيل «إلا».
ومثله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) (٢) ، إلى قوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (٣) ، حمله قوم على «من قبلك» ، لأنه ظرف ، وحمله آخرون على إضمار فعل دل عليه «أرسلنا».
ومثله : (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) (٤) ، ف «بصائر» حال من «هؤلاء» ، والتقدير : ما أنزل هؤلاء بصائر إلّا رب السموات والأرض ، جاز فيه ذا لأن الحال تشبه الظرف من وجه.
__________________
(١) هود : ٢٧.
(٢) النحل : ٤٣ ، ٤٤.
(٣) الإسراء : ١٠٢.