ومن ذلك قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (١). الأصل فى ألف التثنية أن تكون / كعصا ، ورحا ، فى الرفع والنصب والجر على صورة واحدة ، لأن الحركة فيها مقدرة ، كما هى فى ألف «عصا» و«رحا» ، ولكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء فى النصب والجر حرصا على البيان ، إذ لم يكن هناك ما فى المفرد من البيان ، ألا تراك تقول : ضرب موسى العاقل عيسى الأديب ، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل ونصبها بعد المفعول ، وهذا المعنى لا يتأتى بالتثنية لو قلت : ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان ، لم تتغير الصفة ، فجاء قوله : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٢) على الأصل الذي ينبغى أن يكون عليهم كما «استحوذ» (٣) على ذلك. وقوله : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) (٤) ولم يكن كقوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) ، وكقولهم : «عسى الغوير أبؤسا» ، على الأصل ، ولم يكن كالمستعمل فى قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٦) وكذلك جاء قول: تأبّط شرا :
فأبت إلى فهم ولم أك آئبا |
|
وكم مثلها فارقتها وهى تصفر |
قال عثمان : وصواب الرواية فيه : وما كدت آئبا ، أي : وما كدت أؤوب ، فاستعمل الاسم الذي هو فرع ، وذلك أن قولك : كدت أقوم ، وأصله قائما ، فلذلك ارتفع المضارع ، أي لوقوعه موقع الاسم ، فأخرجه تأبط شرا على المرفوض كما يضطر الشاعر إلى مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع ، نحو صرف ما لا ينصرف ، وإظهار التضعيف ، وتصحيح
__________________
(١) طه : ٦٣.
(٢) المجادلة : ١٩.
(٣) النساء : ١٤١.
(٤) الفاتحة : ٥.
(٥) النساء : ٨٤.