وأما قوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (١)
فنقول : من قال «يرون» يحتمل رؤية العين ، ورؤية القلب ، فمن قال : هو من رؤية القلب ، ففى المعنى يتعدى إلى مفعولين ، فإذا جعلتها المتعدية إلى مفعولين سد مسدهما. وأن تكون من رؤية العين أولى ؛ لأنهم يستنظرون في مشاهدة ذلك ، والإعراض عنه ، وترك الاعتبار به ، وهذا أبلغ في هذا الباب من المتعدية إلى مفعولين ؛ ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر من المنصرف عما يشاهد.
ومن قرأ (أَوَلا يَرَوْنَ) فبنى الفعل للمفعول به ، كان «أنّ» فى موضع نصب «أنه» مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد ، وذلك أنك تقول : رأى عمرو كذا ؛ وتقول : أرأيت عمرا كذا ، فيتعدى إلى مفعولين بالنقل ، فإذا بنيت الفعل للمفعول به تعدّى إلى مفعول واحد ، كالدرهم ، فى قولك : أعطى زيد درهما.
ولا يكون «يرون» هنا كالتى في قولك : أرى زيدا منطلقا ، لأن المعنى : ليس على: يظنّون أنهم يفتنون فى كل عام ؛ إنما المعنى : على أنهم يشاهدون ذلك ويعلمونه علم مشاهدة.
وليس المعنى : أنهم يظنون الفتنة في كل عام ؛ لأن الظن في الفتنة ليس بموضع اعتبار ، وإنما فزّعوا على ترك الاعتبار بالمشاهدة ، وأنهم مع ذلك لا يتوبون ولا يذكرون فيعتبروا ويتنبهوا على ما يلزمهم الانتهاء والإقلاع عنه.
__________________
(١) التوبة : ١٢٦.