ومن ذلك قوله : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ) (١) ، أي : أنزل إليك لتنذر ، فأخر اللام المتعلّق بالإنزال.
وقيل : فلا يضيق صدرك بأن يكذبوك. عن الفراء ـ فيكون «اللام» متعلقا بالحرج.
ومن ذلك قوله : (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) (٢) ، أي : كانوا يظلمون أنفسهم. ومنه : (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣) ، و (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) (٤).
هذا يدل على جواز : يقوم كان زيدا ، ألا ترى أن «أنفسهم» منتصب ب «يظلمون» ، فإذا جاز تقديم مفعوله جاز تقديمه وجاز وقوعه موقع المعمول.
فأمّا قوله : (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥) ففى موضعه ثلاثة أقوال :
رفع بالعطف على «كتاب» ، وقيل : بل مبتدأ مضمر.
وإن شئت كان نصبا ب «تذكر» ، أي ، لتنذر فتذكر.
وإن شئت هو جرّ باللام ، أي : لتنذر وللذكرى.
وضعّفه ابن عيسى فقال : باب الجر باب ضيّق لا يتسع فيه الحمل على المعاني : وليس الأمر كما قال ، لأنا عرفنا أن تعدّ اللام مضمرة ، وكأنه قال : للإنذار به وذكرى للمؤمنين ، وإذا جاء : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا) (٦) ، والتقدير : وبعد أن شهدوا ، لم يكن لنظر أبى الحسن مجال في هذا الباب ، وابن من أنت من أبى علىّ ، وكلامك ما تراه من الاختصار والإيجاز.
__________________
(١) الأعراف : ٢.
(٢) الأعراف : ١٧٧.
(٣) الأعراف : ١٣٩ ـ هود : ١٦.
(٤) سبأ : ٤٠.
(٥) الأعراف : ٢.
(٦) آل عمران : ٨٦.