بالعربية فقرأتها وترجمت له بعض الكلمات التي كان يتوقف فيها ، ثم لقاني يوما آخر وقال لي : القسيس الكبير أمر أن تمشي معي إلى حضرته ، قلت في نفسي : كيف الخلاص والنصارى تقتل وتحرق كل من يجدون عنده كتابا عربيا ويعرفون أنه يقرأ بالعربية. وأما ما ذكر من المترجمين الأندلس فكانوا شيوخا ، ويستعذرون بأنهم تعلموا القراءة العربية في صغرهم بقرب عهد الإسلام وأما الحكيم أبو العاصي كان يقرأ لأجل جده لأنه مترجم كما قلنا ، وماذا أقول أنا إذا سألني عن من علمني؟ وفي الطريق كان يقول لي القسيس : قل للسيد العظيم : إن المترجمين ما عرفوا شيئا. قلت في نفسي : عكس هذا أقول ، لأن أصحاب الدعاوى يفتضحون. ولما أن دخلنا إلى حضرته فأقبل علينا وقال لي : ذكر لي القسيس منضنض (٤٠) أنك تحسن القراءة العربية فقلت : ليس أنا من البالغين فيها. قال : أين تعلمت؟ قلت : أعلم أيّها السيد أنني أندلسي من الحجر الأحمر ، وكلامنا فيه فهو بالعربية ، ثم تعلمت نقرا بالعجمية ، ثم مشيت إلى مذريل (٤١) بلد السلطان فوجدت فيها رجلا طبيبا أندلسيا من بلاد بلنسيه اسمه فلان وعلمني نقرا بالعربية ، وجاني سهلا لكوني عربيا في الأصل. ثم قال لي : معلمك الطبيب؟ قلت : مات ـ رحمهالله ـ قبل هذا العهد بنحو السنتين أو ثلاثة ، وكلما قلت له فيها سألني عن الطبيب أنه كان من بلاد بلنسية كذب ، ولكن كانت القراءة بالعربية لأهل بلنسيه مباحة في غير دين الإسلام ، وممنوعة لسائر أهل بلاد الأندلس ، وتسترت بالكذب من شرهم ، وذكر الغزالي ـ نفع الله به ـ في كتاب الإحيا : إن جاز عليك إنسان من أهل الخير ، ثم جاء في طلبه رجل ظالم سائلا عنه ليضره فقل له : مشى من تلك النّحيّة بعكس ما تمشى منها ، لينجو المطلوب من ظلم طالبه. وأن الكذب في مثل هنا جائز ، بل مندوب إليه مع أن الإرشاد واجب ، وظهر لي أن للذي من عادته الصدق في كلامه إذا كذب فيما يجوز له الكذب مضطرا إلى ذلك أنه يقبل منه قوله ويصدق فيما يقوله.
__________________
(٤٠) Maldonado.
(٤١) Madrid.