آية في القرآن ، ولهذا يقرؤها كل خطيب على المنبر في آخر خطبته لتكون عظة جامعة ، وقد نقل ابن كثير في هذا المقام أحاديث وآثارا ننقلها مع حذف الأسانيد :
روى الشعبي عن شتير بن شكل : سمعت ابن مسعود يقول : إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية. وقال سعيد عن قتادة قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية ليس من خلق حسن ـ كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه ـ إلا أمر الله به ، وليس من خلق سىء ، كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه ، إنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها (قلت) القائل ابن كثير ولهذا جاء في الحديث : «إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها» وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب (معرفة الصحابة) ... عن علي بن عبد الملك بن عمير عن أبيه قال : بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلىاللهعليهوسلم فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا : أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه! قال : فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه ، فانتدب رجلان فأتيا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي ، وهو يسألك من أنت وما أنت؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أما من أنا ، فأنا محمد بن عبد الله ، وأما ما أنا فأنا عبد الله ورسوله». قال : ثم تلا عليهم هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية. قالوا : ردّد علينا هذا القول ، فردده عليهم حتى حفظوه ، فأتيا أكثم فقالا : أبى أن يرفع نسبه ، فسألناه عن نسبه ، فوجدناه زاكي النسب ، وسطا في مضر ـ أي شريفا ـ وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها ، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن ملائمها. فكونوا في هذا الأمر رؤساء ولا تكونوا فيه أذنابا. وقد ورد في نزولها حديث حسن رواه الإمام أحمد ... عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم بفناء بيته جالس إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر (١) إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا تجلس؟» فقال : بلى. قال : فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستقبله ، فبينما يحدثه إذ شخص رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببصره إلى السماء ، فنظر ساعة إلى السماء ، فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض فتحرّف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ، فأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له وابن مظعون ينظر ، فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى السماء كما شخص أول مرة ، فأتبعه بصره حتى توارى
__________________
(١) ـ كشّر : أي تبسّم حتى بدت أسنانه.