كلمة في السياق :
١ ـ أقام الله عزوجل الحجة عليهم بأن هذا القرآن لا ريب فيه بتحديهم أن يأتوا بسورة من مثله ، ثم بين لهم العلل الحقيقية لريبهم ، وهي : ظلمهم ، وإفسادهم ، وأعمالهم السيئة ، وصممهم عن سماع كلمة الحق ، وعدم استعمال عقولهم ، وعمى أبصارهم عن رؤية الحق ، وعمى بصائرهم عن التدبر ، وظلمهم لأنفسهم ، وبعد أن أقام عليهم الحجة وبين لهم علل تكذيبهم ، تأتي بعد ذلك مجموعة واعظة تعظ وتنذر ٢ ـ رأينا أنه قد مر معنا في هذه المجموعة من هذا المقطع قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) والمراد بتأويله هنا ـ والله أعلم ـ تفسيره العملي ، وتفسيره العملي هو وقوع ما أخبر عنه من غيوب ، وهذا الذي أخبر عنه من الغيوب سيقع شيئا فشيئا ، وآخر هذا الوقوع هو ما سيكون يوم القيامة ، ومن ثم فإن المجموعة الثانية في هذا المقطع تحدثنا عن بعض جوانب التفسير العملي الكائن لما أخبر عنه هذا القرآن من غيوب ، وفي ذلك إقامة حجة على من كذب وإنذار له ، وقبل أن ننتقل إلى عرض المجموعة الثانية فلننقل بعض ما قاله صاحب الظلال بمناسبة قوله تعالى : (قُلْ : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
قال : (وقد ثبت هذا التحدي ؛ وثبت العجز عنه. وما يزال ثابتا ولن يزال. والذين يدركون بلاغة هذه اللغة ، ويتذوقون الجمال الفني والتناسق فيها ، يدركون أن هذا النسق من القول لا يستطيعه إنسان.
وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية ، والأصول التشريعية ، ويدرسون النظام الذي جاء به هذا القرآن ، يدركون أن النظرة فيه إلى تنظيم الجماعة الإنسانية ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها ، والفرص المدخرة فيه لمواجهة الأطوار والتقلبات في يسر ومرونة .. كل أولئك أكبر من أن يحيط به عقل بشري واحد ، أو مجموعة العقول في جيل واحد أو في الأجيال. ومثلهم الذين يدرسون النفس الإنسانية ووسائل الوصول إلى التأثير فيها وتوجيهها ، ثم يدرسون وسائل القرآن وأساليبه.
فليس هو إعجاز اللفظ والتعبير وأسلوب الأداء وحده ، ولكنه الإعجاز المطلق الذي يلمسه الخبراء في هذا ، أو في النظم والتشريعات ، والنفسيات وما إليها ..
والذين زاولوا فن التعبير ، والذين لهم بصر بالأداء الفني ، يدركون أكثر من غيرهم