(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا ...) فالسياق يتكامل بين المجموعات في تبيان حال الإنسان ، وفي تبيان افتقاره إلى الله ، وإظهار هذا الافتقار ساعة الشدة ، ويدلل ذلك على عمق قضية التوحيد في ذاته ، ومع ذلك فإنه يشرك ، إن الصلات بين الآيات وبين المجموعات أكثر من أن يحاط بها وما ذكرناه نموذج
فوائد :
١ ـ بمناسبة قوله تعالى (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) قال الألوسي : (أي دعوه سبحانه من غير إشراك لرجوعهم من شدة الخوف إلى الفطرة التي جبل عليها كل أحد من التوحيد ، وأنه لا متصرف إلا الله سبحانه ، المركوزة في طبائع العالم ، وروى ذلك عن ابن عباس ومن حديث أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص : «لما كان الفتح فر عكرمة بن أبي جهل فركب البحر ، فأصابتهم عاصف ، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ، فقال عكرمة : لئن لم ينجيني في البحر إلا الإخلاص ، ما ينحيني في البر غيره ، اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه آتى محمدا حتى أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما قال : فجاء فأسلم» وفي رواية ابن سعد عن أبي مليكة «أن عكرمة لما ركب السفينة وأخذتهم الريح فجعلوا يدعون الله تعالى ويوحدونه قال : ما هذا؟ قالوا : هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله تعالى قال : فهذا إله محمد صلىاللهعليهوسلم الذي يدعونا إليه ، فارجعوا بنا فرجع. وأسلم» وظاهر الآية أنه ليس المراد تخصيص الدعاء به سبحانه ، بل تخصيص العبادة به تعالى أيضا ، لأنهم بمجرد ذلك لا يكونون مخلصين له الدين.
وأيا ما كان فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال. وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتارهم أمر خطير ، وخطب جسيم ، في بر أو بحر ، دعوا من لا يضر ولا ينفع ، ولا يرى ولا يسمع ، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس ، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس ، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة ، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة ، ولا ترى أحدا فيهم يخص مولاه بتضرعه ودعائه ، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال ، فبالله تعالى عليك قل لي أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلا؟ وأي الداعيين أقوم قيلا؟ وإلى الله تعالى المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة ، وتلاطمت أمواج الضلالة ، وخرقت سفينة