سخطا مستمرا إلى يوم معادهم. وقضى الله لهم بالعذاب الأبدي يوم القيامة. ثم بيّن تعالى أنهم لو كانوا مؤمنين حق الإيمان بالله والرسول والقرآن ، لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن ، ومعاداة المؤمنين بالله والنّبي صلىاللهعليهوسلم وما أنزل إليه ، ولكن كثيرا منهم فاسقون ، خارجون عن طاعة الله ورسوله ، مخالفون لآيات وحيه وتنزيله. ثمّ بيّن الله ـ عزوجل ـ أنّ أشدّ أنواع العداء لأهل الإيمان عداء اليهود والمشركين ، وما ذاك إلا لأنّ كفر اليهود والمشركين كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس ، وتنقّص لحملة العلم ، ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى همّوا بقتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير مرّة ، وسمّوه وسحروه ، وألّبوا عليه أشباههم من المشركين ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. على عكس النّصارى الذين زعموا أنّهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله ، فإنّ فيهم مودّة للإسلام وأهله في الجملة ، وما ذاك إلّا لما في قلوبهم ، إذ كانوا على دين المسيح من الرّقة والرّأفة وبسبب وجود علماء وعباد فيهم ، وبسبب اتصافهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف ، وأن من صفاتهم أنهم إذا سمعوا القرآن بكوا ؛ بسبب معرفتهم أنّ هذا هو الحقّ الذي بشّر به عيسى عليهالسلام ، ويعلنون إذا سمعوا الحق إيمانهم ، ويطلبون من الله أن يدخلهم في أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم. هؤلاء يجازيهم الله على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق ، جنات تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون ، وهذا جزاؤهم بسبب اتّباعهم الحق ، وانقيادهم له ، حيث كان وأين كان ، ومع من كان. ثم أخبر عن حال الأشقياء الذين يجحدون آيات الله ويخالفونها ، بأنّهم أهل النار والداخلون فيها. وكثير من الناس يفهمون الآيات الأخيرة من هذا المقطع فهما خاطئا.
والشىء الذي ينبغي أن نفهمه بإجمال هو أن اليهود والمشركين أشدّ الناس عداء لنا ، وأن النصارى فيهم استعداد من حيث الأصل للإيمان بديننا وشريعتنا ورسولنا. ومن ثم فهم مظنّة أن يوجد فيهم خير ، وقبول للحق ، ولكن لا يعني هذا أن الجميع يقبلون الحق إذا عرض عليهم ، فمن قبل الحق فقد حقّق ظنّنا ودخل الجنة ، ومن رفض الحق فحكمه حكم اليهود والمشركين :
ملاحظات في السّياق :
١ ـ جاء في القسم الأول من المقطع الثاني من السورة قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) وجاء في ذلك السّياق قوله تعالى :