كفر من زعم أنّ المسيح هو الله ، تعالى الله عن قولهم وتنزّه علوا كبيرا ، مع أنّ المسيح عليهالسلام دعاهم لعبادة الله وحده ، وبيّن لهم أنّ من أشرك بالله فقد أوجب له النّار وحرّم عليه الجنّة ، وأنّه ما له عند الله ناصر ، ولا معين ، ولا منقذ مما هو فيه. ثمّ قرّر الله ـ عزوجل ـ كفر القائلين بالتثليث ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، فما من إله إلا إله واحد ليس متعددا بل هو واحد لا شريك له ، إله جميع الكائنات ، وسائر الموجودات ، ثمّ قال تعالى متوعدا لهم ومتهدّدا ، بأنهم إن لم ينتهوا عن هذا الافتراء والكذب ليصيبنّهم العذاب الأليم في الآخرة من الأغلال والنّكال. ثمّ دعاهم الله ـ عزوجل ـ إلى التوبة والاستغفار ، ووعدهم الغفران وهذا من كرمه وجوده ولطفه ورحمته بخلقه ، مع هذا الذنب العظيم ، وهذا الافتراء ، والكذب ، والإفك ، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة ، فكلّ من تاب إليه تاب عليه. ثمّ بيّن الله ـ عزوجل ـ حقيقة المسيح وأنه ليس إلا رسولا له أسوة أمثاله من سائر المرسلين المتقدّمين عليه ، وأنّه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام ، وأمّه مؤمنة به ، مصدّقة له ، وهذا أعلى مقاماتها ، فهي لم تصل إلى درجة النّبوة لأنه لم تكن نبية قطّ أنثى ، وأنّ المسيح وأمّه كانا يأكلان الطعام فهما يحتاجان إلى التغذية به ، وإلى خروجه منهما ، والافتقار دليل العبودية ، فهما عبدان كسائر الناس ، وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة. عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، وفي هذا السياق ، ـ سياق الأمر بتبليغ الرسالة ـ يأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن ينكر عليهم عبادتهم من لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، مع أن الله وحده هو السّميع العليم. السّميع لأقوال عباده ، العليم بكلّ شىء ، فكيف يعدل عنه إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا ، ولا يملك ضرا ولا نفعا لغيره ولا نفسه. ثمّ أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن ينهى أهل الكتاب عن مجاوزة الحدّ في إطراء من أمروا بتعظيمه ، حيث بالغوا فيه حتى أخرجوه عن حيّز النّبوة إلى مقام الإلهية كما صنعوا في المسيح ، وما ذاك إلا لاقتدائهم بشيوخهم ، شيوخ الضلال ، ممّن ضلّ قديما وأضلّ ، وخرج عن طريق الاستقامة والاعتدال ، إلى طريق الغواية والضّلال ، ثم قرّر تعالى أنّه لعن الكافرين من بني إسرائيل فيما أنزله على داود نبيّه عليهالسلام ، وعلى لسان عيسى بسبب عصيانهم لله ، واعتدائهم على خلقه ، وبسبب أنّهم كانوا لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمّهم على ذلك ليحذّرنا أن نرتكب مثل الذي ارتكبوه ، فقال : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) ثم بيّن تعالى أن كثيرا منهم يوالون الكافرين ويتركون موالاة المؤمنين وتلك أعقبتهم نفاقا في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم