(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) فمن أهم ما وقع فيه الخلاف بين أهل الكتاب موضوع عيسى عليه الصلاة والسلام ، فاليهود كذبوه ، والنصارى اختلفوا في شأنه ثم استقر الأمر عندهم على تأليهه.
وجاء هذا القسم ليبين هذه الأمور.
قلنا إن سورة آل عمران تفصيل لمحورها من سورة البقرة ، ومحورها هو مقدمة سورة البقرة.
وفي مقدمة سورة البقرة جاء قوله تعالى :
(الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وفي هذا القسم نرى قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ.) فالقسم يقص علينا صفحة من صفحات الغيب الذي يجب أن نؤمن به.
فصلة هذا القسم في تفصيل مقدمة سورة البقرة واضحة ، ففي مقدمة سورة البقرة كلام عن الكافرين ، وما أعد الله لهم من عذاب عظيم. وفي هذا القسم نرى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ .... وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) فالقسم يفصل في قضية الإيمان بالغيب ، ويفصل في قضية الكفر ، وفي كل تفصيل لمقدمة سورة البقرة.
قد يقول قائل : إن القرآن كله تفصيل لهاتين القضيتين فلماذا نربط ما ورد فيه من ألفاظ بعينها بمكان بعينه كربطنا هذا القسم بمقدمة سورة البقرة؟ ونقول : نحن الآن نسجل ملاحظات ، فإذا اجتمع لنا من الملاحظات ما هو كاف لتأكيد وجهة نظرنا من أول القرآن إلى آخره ، فلا لوم علينا. وحيثما رأى أحد أننا تكلفنا في هذه الملاحظات فعليه واجب الرد ، وعلينا واجب التراجع.
قلنا من قبل : إن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة ، وفيما هو امتداد لمعاني مقدمة سورة البقرة في سورة البقرة نفسها ، ومما جاء في سورة البقرة. وهو امتداد لمعاني مقدمتها ـ قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ