الزبور الذي أنزل على داود ، وأن هؤلاء الرسل صلى الله عليهم وسلم كثر ، منهم من قص الله على رسوله قصصهم ، ومنهم من لم يقصص الله قصتهم ، وأن هذا الوحي منه ما كان كلاما مباشرا من الله كما كان ذلك لموسى. ثم بين الله حكمة إرساله الرسل ، وهي التبشير والإنذار من أجل إقامة الحجة على الخلق بما أعد الله لهم. ولما تضمن هذا الجزء من هذا المقطع إثبات نبوة محمد والرد على من أنكرها ، بين الله ـ عزوجل ـ أنه وإن كفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم من كفر ممن كذبه وخالفه ، فالله يشهد له أنه رسوله الذي أنزل عليه الكتاب ، وهو القرآن الذي أنزله الله بعلمه ، والدليل أنه أنزله بعلمه ما فيه من أمور لا يمكن أن تكون إلا أثرا عن علم الله ، من ذكر للبينات والهدى والفرقان ، وما يحبه الله ويرضاه ، وما يكرهه ويأباه ، ومن ذكر لغيوب من الماضي والمستقبل ، ومن ذكر لصفاته تعالى المقدسة التي لا يعلمها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، إلا أن يعلمه الله بها ، إن في هذا القرآن من العلوم ما لا يمكن أن يكون ، لو لا أنه من عند الله رب العالمين. وكما شهد الله برسالة رسوله ، وبأنه هو الذي أنزل الكتاب عليه ، فإن الملائكة يشهدون بصدق ما أنزل الله على رسوله ، وشهادة الله وحدها كافية ، وسنرى كيف كانت شهادة الله أثناء الشرح الحرفي وفوائده ، وإذ تأكدت رسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، يؤكد الله ـ عزوجل ـ الضلال المبين الذي وقع فيه من كفر في نفسه برسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يتبع الحق ، وسعى مع هذا إلى صد الناس عن إتيانه والاقتداء به. ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته ، وكتابه ورسوله ، الظالمين لأنفسهم بذلك ، وبالصد عن سبيله ، وبارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه ، بأنه لا يغفر لهم ولا يهديهم سبيلا إلى الخير ، بل هم مهتدون فقط إلى طريق جهنم ، وأن مقامهم فيها الخلود الأبدي ، وهذا على الله يسير. وإذا اتضحت هذه الحقائق ، فقد جاء النداء إلى الناس جميعا أنه قد جاءكم محمد صلىاللهعليهوسلم بالهدى ودين الحق ، والبيان الشافي من الله ـ عزوجل ـ فآمنوا بما جاءكم ، واتبعوا يكن خيرا لكم. وأما إذا كفرتم بالحق الذي جاءكم به محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله غني عنكم ، وعن إيمانكم ، ولا يتضرر بكفرانكم ، لأنه مالك السموات والأرض وما فيهن ، وهو العليم بمن اهتدى أو ضل ، وبمن يستحق الهداية فيهديه ، وبمن يستحق الغواية فيغويه ، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
فالمقطع منصب على تأكيد صحة الوحي ، وصدق القرآن ، وعلى تأكيد اتباع هذا الحق الذي هو القرآن ، واتباع القرآن بعد الإيمان ركن من أركان التقوى ، إذ التقوى كما رأينا في كتابنا ـ (جند الله ثقافة وأخلاقا) ـ إيمان واتباع كتاب ، فهو