ولنرجع إلى السياق :
أمر الله بالإيمان وثبت عليه ، وحذر من الكفر ، ونفر من المنافقين الذين يكفرون بعد إيمان ، ثم أخبر بما أعده للمنافقين ، ثم وصفهم ليعرفوا وليحذروا ، وكانت الصفة الرئيسية للمنافقين ، انحراف ولائهم ، ومن ثم يأتي المقطع الثاني ليبدأ بالنهي عن اتخاذ الكافرين أولياء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) بالمصاحبة أو بالمصادقة ، أو بالمناصحة وإسرار المودة إليهم ، أو بإفشاء أحوال المؤمنين إليهم ، أو بطاعتهم ، أو بنصرتهم ، أو غير ذلك من مظاهر الولاء. (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً.) أي : حجة بينة في تعذيبكم. دلت الآية على أن مجرد الولاء ، ولو رافقه إيمان يستحق به صاحبه التعذيب ، والسلطان في الآية الحجة. قال ابن عباس : «كل سلطان في القرآن حجة» والسند إليه صحيح. (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.) أي : في أسفل النار. وقال بعضهم : النار دركات كما أن الجنة درجات ، والمنافقون في القعر. وقد نقل عن الصحابة وصف حالهم في هذا القعر ، فقال أبو هريرة : الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم فتوقد من تحتهم ومن فوقهم. وقال ابن مسعود : في توابيت من نار تطبق عليهم. قال النسفي : والنار سبع دركات ، سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض ، وإنما كان المنافق أشد عذابا من الكافر ، لأنه أمن السيف في الدنيا ، فاستحق الدرك الأسفل في العقبى تعديلا ، ولأنه مثله في الكفر ، وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله. (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً.) أي : يمنعهم من العذاب ، أو ينقذهم مما هم فيه ، ويخرجهم من أليم العذاب. (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا.) أي : من النفاق (وَأَصْلَحُوا.) ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في النفاق. أي وأصلحوا العمل. (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ.) أي : وثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص. (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) فبدلوا الرياء بالإخلاص ، وأصبحوا لا يبتغون بطاعتهم إلا وجه الله. (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) في الدارين ، هم أصحابهم ، وهم رفاقهم ، وهم زمرتهم يوم القيامة.
(وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) فليسارع المنافقون إذن إلى التوبة والإصلاح والاعتصام بالله ، والإخلاص له ليشاركوا المؤمنين فيه. وليستخرج توبة المنافقين ، وليرفع همة المؤمنين. قال : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) هذا استفهام تقريري معناه : إن الله لا يعذب المؤمن الشاكر ، والإيمان معرفة المنعم والشكر