يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.) أي : حتى يشرعوا في كلام غير الكفر والاستهزاء بالقرآن ، والخوض : هو الشروع. (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ.) أي : في الوزر إذا مكثتم معهم. ولم يرد به التمثيل من كل وجه ، فإن خوض المنافقين فيه كفر ، ومكث هؤلاء إن رافقه رضى ومشاركة فهو كفر ، وإن رافقه كراهة وعدم مشاركة فهو معصية.
(إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) لاجتماعهم في الكفر والاستهزاء ، فكما شارك المنافقون الكافرين في الكفر ، كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم. وقد أفهمت الآية أن من أخلاق المنافقين مجالسة الكافرين ومشاركتهم ومؤانستهم ، والسماع منهم كلام الكفر ، ومشاركتهم إياهم بالاستهزاء بالإسلام. ثم زادنا الله بصيرة بالمنافقين بمزيد من أوصافهم. (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) أي : ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق ، أو ينتظرون زوال دولتكم وظهور الكفرة عليكم ، وذهاب ملتكم. (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) أي : نصر وتأييد وظفر ، (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ.) أي : ألم نكن مظاهرين لكم ، ونعطيكم نصرتنا ، ونؤيدكم. يقولون ذلك توددا ومصانعة للمؤمنين. (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ.) أي : حظ من الإدالة على المؤمنين لحكمة يريدها الله. (قالُوا. أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.) أي : قالوا للكافرين كان بإمكاننا أن نغلبكم ، ونتمكن من قتلكم ، ولكنا أبقينا عليكم ، وكان بإمكاننا أن نشجع المؤمنين عليكم ، ولكنا ثبطناهم عنكم ، وخيلنا لهم ما ضعفت قلوبهم به ومرضوا عن قتالكم ، وتوانينا في مظاهرتهم عليكم ، فهم يمنون على الكافرين في خذلانهم المؤمنين ساعة الشدة ، ولو أنهم ساعدوهم لانتصر المؤمنون. ومعنى الاستحواذ : الاستيلاء والغلبة. هذا هو حال المنافقين ، مصانعة للمؤمنين وكلام لهم بما يناسب ، ومصانعة للكافرين ، وتكليم لهم بما يرضيهم. (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ.) أي : يا أيها المؤمنون والمنافقون إن الله سيحكم بينكم يوم القيامة ، فيدخل المنافقين النار ، والمؤمنين الجنة ، فلا تغتروا أيها المنافقون بكونكم تتظاهرون بأنكم مع أهل الإيمان ، فلن ينفعكم هذا التظاهر يوم القيامة. ولا تحزنوا أيها المؤمنون من مودة المنافقين للكافرين ، فحسابهم على الله. وإذا كان الحكم لله خالصا ظاهرا وباطنا يوم القيامة (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً.) أي : يوم القيامة ، فلا غلبة يومئذ ، ولا نصرة ، ولا حجة لكافر على مؤمن. ويحتمل أن يكون المعنى : أنه وعد من الله للمسلمين أن الحجة لهم دائما من الله على الكافرين يلهمهم الله إياها في أي مناقشة أو جدال. ويحتمل أن