المعنى العام :
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والأزمان والأيام واللحظات ، وجميع الأوقات ، وجميع ما في الأرض والسموات ، لا يغيب عنه مثقال ذرة ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال ، وقدرته نافذة في جميع ذلك. وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته ، لئلا يرتكبوا ما نهى عنه ، وما يبغضه منهم ، فإنه عالم بجميع أمورهم وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة ، وإن أنظر من أنظر منهم ، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر.
ثم ذكرنا الله عزوجل بيوم القيامة ، يوم يحضر للعبد جميع أعماله من خير أو شر فما رأى المكلف من أعماله حسنا سره ذلك ، وأفرحه ، وما رأى من قبيح ساءه وغصه ، وود لو أنه تبرأ منه ، وأن يكون بينه وبينه أمد بعيد. ثم أخبرنا تعالى مؤكدا ومهددا ، ومتوعدا أنه يخوفنا عقابة وانتقامه فلنحذر. ولئلا ييأس عباده ، ويقنطوا من لطفه ، فإنه ذكرهم برأفته بعباده ورحمته بخلقه قال الحسن البصرى : من رأفته بهم حذرهم نفسه. وقال غيره رحيم يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ، ودينه القويم ، وأن يتبعوا رسوله الكريم.
المعنى الحرفي :
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ ..) من ولاية الكفار أو غيرها ، مما لا يرضي الله (أَوْ تُبْدُوهُ) أي أو تظهروه (يَعْلَمْهُ اللهُ) أي لم يخف عليه ، وهو وعيد بليغ. (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لا يغيب عنه مثقال ذرة فيهما. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.) ومن ذلك عقوبتكم. (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً.) أي : يوم القيامة تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين ، تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم ، وأهواله ، مسافة بعيدة. (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) كرر الإنذار والتحذير ، ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) فهو مع كونه محذورا لكمال قدرته ، فإنه مرجو لسعة رحمته ، ومن رأفته أن حذرهم نفسه حتى لا يتعرضوا لسخطه.
فائدة :
هاتان الآيتان فيهما تطهير للنفس أن يكون فيها في الظاهر أو الباطن ، ما يخالف أمر