الجهاد كي لا يتقاعس المسلمون عن الجهاد بحجة التبين ، هدد المسلمين المقيمين بين ظهراني الكافرين إن لم يهاجروا ، وبهذه المناسبة يذكر حكم الصلاة في السفر. (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ.) سافرتم فيها ، فالضرب في الأرض : هو السفر. (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ....) أي : ليس عليكم حرج في أن تقصروا من أعداد ركعات الصلاة الرباعية ، فتصلوها ركعتين. (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.) أي : إن خشيتم أن يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو أخذ. والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج ؛ لظاهر هذا النص ، وعند أهل السنة ليس بشرط.
روى الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن يعلى بن أمية قال : سألت عمر بن الخطاب قلت له : قوله (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ ...) وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر رضي الله عنه : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً.) وصدق الله فما من عداوة أوضح من عداوة الكافر للمؤمن ، وذكر العداوة هنا أمر بالتحرز.
فوائد :
١ ـ روى البخاري عن أنس قال : «خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت : أقمتم بمكة شيئا؟ قال : أقمنا بها عشرا». وروى الإمام أحمد عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : «صليت مع النبي صلىاللهعليهوسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين» والكلام عن صلاة المسافر مفصل في كتب الفقه.
٢ ـ من قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فهم الشافعي أن القصر رخصة في السفر ، والإكمال عزيمة ، لأن لا جناح ، يستعمل في موضع التخفيف والرخصة ، لا في موضع العزيمة. وقال الحنفية : القصر عزيمة غير رخصة ، ويكره الإكمال كراهة تحريم ؛ لما روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان بإسناد صحيح عن عمر قال : «صلاة السفر ركعتان ، وصلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان ، تمام غير قصر على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم». وأما الآية فقد قال النسفي في توجيهها : فكأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر ، فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ، ويطمئنوا إليه ، ا ه.