وشق عليه الصبر عن الجماع ، وعنت بسبب ذلك كله ، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة ، وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا ، فهو خير له ، لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء. ومن هذه الآية الكريمة ، استدل جمهور العلماء : على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ، ولا بد من خوف العنت حتى يجوز نكاح الإماء ؛ لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد ، ولما في ذلك من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن. ولأبي حنيفة رأي في هذا الموضوع خلاصته : أن من لم يكن متزوجا بحرة ، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية. سواء كان واجدا لطول حرة ، أم لا ، وسواء خاف العنت ، أم لا. وسنرى ذلك إن شاء الله.
ثم بين الله ـ عزوجل ـ في الآيات الأخيرة ، أن له إرادة ، وللكفار والفساق إرادة. فإرادته تعالى أن يبين لنا الحلال والحرام ، وأن يدلنا على الطرائق الحميدة لمن قبلنا من الأنبياء والمرسلين والصالحين والشهداء ، وأن يطهرنا من ذنوبنا بتوبته علينا. وهو العليم الحكيم ، يظهر علمه وحكمته في شرعه وقدره وأقواله وأفعاله. وأما إرادة الكفار ، والفساق ، ممن يتبعون الشهوات ، فهي أن ننحرف انحرافا كبيرا عن الصراط المستقيم. وما نراه في عصرنا من تواطؤ الكافرين والفساق على إضلال أهل الإيمان تجسيد عملي لما ذكرته الآية. ثم بين الله ـ عزوجل ـ أن إرادته بنا ليست لإرهاقنا وعنتنا. بل أراد بنا فيما بين وشرع وهدى ، التخفيف علينا في شرائعه ، وأوامره ، ونواهيه. وذلك لأن الله الذي خلق الإنسان ، وعلم ضعفه ، وتهالكه أمام الشهوات ، أنزل له شريعة تناسب هذا الضعف في نفسه وعزمه وهمته ، فكانت شريعة يسر ، وشريعة تخفيف. وقد جاءت الآيات الثلاث الأخيرة ، عقب التخفيف علينا ، بإباحة تزوج الإماء. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن المجتمع الإسلامي النظيف ، يحتاج إلى وجود إماء ، كعامل مساعد على نظافته من الزنا والفاحشة. نقول هذا غير آبهين لأي صوت كافر ، يريد أن يأخذ على الإسلام إباحته الرق. في الوقت الذي يمتهنون فيه الإنسان كما لم يمتهن الحمار في يوم من الأيام.