ومرات ، وأن الموضوع الواحد قد يوجد جزء منه في مكان ، وجزء منه في مكان آخر ، والحكمة في ذلك أن الموضوع يتكرر بحسب احتياجات تعميقه في النفس البشرية ، وأن الموضوع يتجزأ بحسب احتياج السياق الوارد فيه للجزء الوارد منه ، ويتجزأ ليذكره الإنسان أكثر من مرة. فالقرآن كتاب تربية وتزكية وإعجاز ، كما هو كتاب علم وحكمة ، كما هو كتاب تشريع وتوجيه للبشر في كل شىء ، وكتاب هذا شأنه تساق المواضيع فيه لا ككتب التشريع المجرد ، ولا ككتب العلم المجرد ، ولا ككتب الحكمة المجردة ، ولا ككتب المعجزات المجردة ، فهو على ما هو عليه يؤدي مجموعة أمور ويحقق مجموعة قضايا بآن واحد ، وبسبب من كونه كذلك فإن ملايين المواضيع تنبثق عنه بما يغطي احتياجات الزمان والمكان.
٢ ـ رأينا محل سورة النساء ضمن السياق القرآني العام ، والمقطع الذي مر معنا هو المقطع الأول في هذه السورة ، وهو مقطع إذا نظرنا إليه على ضوء محل سورة النساء في السياق القرآني العام كما رأيناه من قبل ، فإننا نفهم أن هذا المقطع قد ربى الإنسان على التقوى لله في مجموعة أمور : معرفة الله ، وصلة الأرحام ، وحفظ أموال اليتامى ، وعدم الاعتداء عليها ، وعدم أكل أموالهم ظلما وإعطائهم إياها كاملة ، وإعطاء المرأة حقها المالي ، وتوزيع تركة الميت على حسب ما أوصى الله ، ووأد الفاحشة بعقوبة فاعليها ، والحض على التوبة. وكل ذلك معان داخلة في المفهوم القرآني للتقوى ، وهو مفهوم أوسع من مفهوم التقوى في موازين العامة من الناس ، ونقصد بالعامة : كل من لم يتفقه في دين الله حق التفقه. فإذا تأكدت هذه المعاني من التقوى في المقطع الأول ، ينتقل السياق إلى المقطع الثاني ليبين لنا معاني جديدة في قضية التقوى. ونحب أن نذكر هنا ـ ولو كررنا ـ : إن سورة النساء تفصل في محورها ، من سورة البقرة. ومحورها يبدأ بالدعوة إلي العبادة كطريق للتقوي. وهنا نضيف ، إن مقاطع سورة النساء التي تبدأ في الغالب بقوله تعالي : (يا أَيُّهَا). إنما هي تفصيل للعبادة والتقوى بمعناهما الواسعين. فطاعة أمر الله وترك نهيه ، عبادة ، والتزام شرعه تقوى. فما من مقطع في سورة النساء إلا وهو تعميق لمفهوم العبادة ، كطريق للتقوى ، أو هو تعميق لمفهوم التقوى نفسه ، وما ينبثق عنها ، أو هو تبيان لما يدخل في التقوى من أجزاء.
٣ ـ هناك قاسم مشترك يجمع بين المقطع الأول والثاني ، وهو الكلام عما يسمى الآن بالأحوال الشخصية ، من زواج ، وإرث ، وانحراف جنسي ، وظلم للأيتام ، إلى