وتغير وجهه ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ عليه ذات يوم ، فلما سري عنه قال : «خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب ، والبكر بالبكر ، الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة» والفقهاء مختلفون في موضوع الجمع بين الرجم والجلد ، وبين الجلد والنفي ، فمنهم من يعتبر الجمع منسوخا ، ومنهم من يعتبر ما زاد على الرجم في الثيب والجلد في البكر من باب السياسة الشرعية ، ومنهم من يأخذه على ظاهره ، وهو موضوع يأتي في سورة النور. (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) للمفسرين أقوال في المراد بهؤلاء ، فمنهم من قال : هذا في الذكور الزناة قبل النسخ ، ومنهم من قال : هذا في الزانية والزاني جميعا ، لكن الزانية تعاقب زيادة على ذلك بالحبس ، ومنهم من قال : هذا في اللواطين. (فَآذُوهُما.) أي : بالشتم والتعيير والضرب. (فَإِنْ تابا) عن فعلهما (وَأَصْلَحا) بإحسان العمل ، دل ذلك على أن من علامة الصدق في التوبة إصلاح العمل (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما.) أي : فاقطعوا التوبيخ والمذمة ولا تعنفوهما ، ولا تعيروهما بعد ذلك ، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وكذلك لا يجوز التعيير بعد إقامة الحد ، وقد ثبت في الصحيحين «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها».
(إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً.) أي : يقبل توبة التائب ويرحمه. (إِنَّمَا التَّوْبَةُ.) أي : إنما قبول التوبة (عَلَى اللهِ) كلمة «على» هنا لا تفيد الوجوب على الله ، إذ لا يجب على الله شىء ، ولكنه لتأكيد الوعد يعني أنه يكون لا محالة كالواجب الذي لا يترك. (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ.) أي : الذنب (بِجَهالَةٍ) ليس المراد بالجهالة هنا الجهل الذي يقابل العلم ، وإنما الجهل الذي يقابل العقل ، وقيل جهله : اختياره اللذات الفانية على الباقية. وقيل ليس المراد جهالته بأن ارتكب ذنبا ، بل المراد جهالته بكنه عقوبته. روى عبد الرزاق عن قتادة قال : اجتمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرأوا أن كل شىء عصي الله به فهو جهالة ، عمدا كان أو غيره. وقال مجاهد : «كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها» وإذن فهناك حالة يستوي فيها العلم والجهل ، حالة ما إذا فعل الإنسان الفعل كأثر عن غلبة نفس ، أو شهوة أو نزوة ، أو طيش أو حماقة .. فالمراد بالجهالة هنا ، ترك العلم. (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ.) أي : ثم يتوبون من زمان قريب ، وهو ما قبل حضرة الموت ؛ يدل على ذلك قوله في الآية اللاحقة : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) فدل على أن وقت الموت هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة ؛ قال الضحاك : كل توبة قبل الموت فهو قريب ، وفي الحديث الحسن قال عليه الصلاة والسلام «إن الله