المصفف ، والمأبورة : الملقحة. ذكرنا هذا ليعلم مما قدمناه : أن الحياة الدنيا لم تحرم علينا ، إذا ما أخذناها ضمن ما حدده الله ، واستعملناها فيما حدده الله ، ولم ننس حق الله فيها ، ولم ننس آخرته ، ولم نطغ.
ثم رفع الله ـ عزوجل ـ همتنا إلى الآخرة بعد أن بين لنا ما زينه لنا من مفردات الحياة الدنيا :
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي قل يا محمد أؤخبركم بخير من الذي تقدم للذين اتقوا عند ربهم (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي تنخرق بين جوانبها وأرجائها أنهار العسل واللبن والخمر والماء. (خالِدِينَ فِيها) أي ماكثين فيها أبد الآبدين ، لا يبغون عنها حولا. (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا. (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) أي يعطيهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي عالم بأعمالهم يجازيهم عليها.
ثم وصف عباده المتقين ، الذين أعد لهم ذلك (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) بك وبكتابك وبرسولك ، (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا.) أي : بإيماننا بك ، وبما أنزلته. فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في أمرنا بفضلك ورحمتك (وَقِنا عَذابَ النَّارِ.) أي : احمنا منه (الصَّابِرِينَ) على الطاعات وترك المحرمات وعلى المصائب. (وَالصَّادِقِينَ) قولا بإخبار الحق ، وفعلا بإحكام العمل ، ونية بإمضاء العزم. (وَالْقانِتِينَ.) أي الطائعين الخاضعين. (وَالْمُنْفِقِينَ.) أي : المتصدقين من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات ، وصلة الأرحام والقرابات وسد الخلات ومواساة ذوي الحاجات. (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) أي طالبي المغفرة في وقت السحر ، إما بصلاتهم لله فيه ، أو بقولهم : أستغفر الله فيه. والسحر : الوقت قبيل الفجر.
فائدة :
ـ ثبت في المصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول : هل من سائل فأعطيه؟. هل من مستغفر فأغفر له؟» وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : من كل الليل قد أوتر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من أوله ، وأوسطه ، وآخره ، فانتهى