والتركيب ، لا من حيث المراد (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق ـ وهم أهل البدع والأهواء ـ (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) أي فيتعلقون بالمتشابه ، الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ، فهم يأخذونه لأنهم يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها ؛ لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ، لأنه دافع لهم وحجة عليهم ، ولماذا يفعلون ذلك؟! بين الله ـ عزوجل ـ غرضهم الفاسد فقال : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) الفتنة هنا المراد بها : فتنة الناس عن دينهم ، وإضلالهم وصدهم عن سبيل الله ، والمراد بالتأويل : التفسير المنحرف الموافق للهوى ، فهم إنما يتبعون المتشابه من أجل أن يضلوا المسلمين ، ومن أجل أن يستشهدوا به على أهوائهم ، فيفسروه بما يخالف المحكم (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) هناك كلام كثير للعلماء حول الوقف في هذا النص هل هو على لفظ الجلالة ، أو هو على كلمة العلم؟
فعلى القول الأول يكون المعنى أن التفسير الحق للمتشابه لا يعلمه إلا الله ، وعلى القول الثاني يكون الراسخون في العلم كذلك يعلمون تأويله الحق ، والراسخون في العلم هم الثابتون فيه المتمكنون منه ، وجمهور المفسرين على القول الأول ، وجمهور الأصوليين على القول الثاني ، وما اختلفوا في الترجيح إلا لاختلافهم في فهم المحكم والمتشابه ـ كما سنرى في الفوائد ـ (يَقُولُونَ) أي : الراسخون في العلم ، ويختلف الإعراب والمعنى والتقدير فيما إذا كان الوقف على لفظ الجلالة أو العلم ، فعلى الوقف على لفظ الجلالة : الراسخون لا يعلمون ولكنهم يسلمون فيقولون. وعلى الاتجاه الثاني : الراسخون يعلمون ويقولون (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) أي : آمنا بالمتشابه ـ أو الضمير يعود على الكتاب كله ـ أي : آمنا بالكتاب كله ، إذ كله ـ من المتشابه والمحكم ـ من عند الله الحكيم ، الذي لا يتناقض كلامه (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) أي : وما يتعظ ويتذكر ويقف عند ما ينبغي الوقوف عنده ـ من إيمان وعمل ـ إلا أصحاب العقول ، وفي هذا إشارة إلى أن الراسخين في العلم ، هم أصحاب العقول ، وهو مدح لهم باتقاد الذهن ، وحسن التأمل ، والقيام بالمقتضى (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) أي : إن الراسخين في العلم ـ أولي العقول ـ يقولون : ربنا لا تمل قلوبنا عن الحق المنزل بعد إذ هديتنا إليه ، بأن جعلتنا نعمل بالمحكم ونسلم للمتشابه (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي : وهب لنا من عندك نعمة