الله ـ عزوجل ـ بعض ما حدث يوم أحد ، وبعض دروس معركته. والمناسبة بين هذه الدروس ، وبين هذه المقدمة : أن يوم أحد حدث فيه نوع هزيمة للمسلمين. فما أسباب هذه الهزيمة مع قيام وعد الله بنصرة أوليائه؟ يذكر الله ـ عزوجل ـ أسباب ذلك : الجبن ، وعصيان الأوامر ، والخلل في نية طلب الآخرة. ومع هذا كله فإن الله ما تخلى عنهم ، بل تولاهم ، بأن أحاط هذه الهزيمة بكل لطف ، وتوج هذا كله بالعفو عما حدث ، وعرض خلال هذا حالات ، ومواقف للمنافقين ، والمؤمنين ، وبين أسباب الزلل. وسنرى هذا كله أثناء استعراض المعنى الحرفي للآيات ، والصلة فيما بينها ، ومحلها من السياق القرآني العام.
المعني الحرفي لمقدمة المقطع ومقدمة القسم :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) دخل في ذلك كل الكافرين والمنافقين ، فبعد أن خصص في آية سابقة طاعة أهل الكتاب ، فنهى عنها وحذر منها ، يحذر ههنا المؤمنين من طاعة كل أصناف الكافرين ، والنفاق شر أنواع الكفر ، ويبين النتيجة (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.) أي : يرجعونكم إلى الكفر ، إلى الجاهلية ، إلى الفسوق ، إلى النفاق ، إلى الشرك. (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.) أي : فتخسروا الدنيا والآخرة. فعلى المؤمنين إذن أن يجانبوا الكافرين ، والمنافقين ، ولا يطيعوهم في شىء حتى لا يستجروهم إلى موافقتهم. وإذا كان سبب طاعة الكافرين ، رغبة في النصرة ، أو رغبة في الرعاية ، أو رغبة في كسب القلوب ، بين الله ـ عزوجل ـ في الآية : أن نصرته وولايته خير من نصرة وولاية غيره فقال : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ.) أي : ناصركم فاستغنوا به عن نصرة غيره ، لأنه (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ.) فلا نصرة مثل نصرته ، ولا ناصر مثله ، بل هو الناصر الحقيقي لأن غيره قد يريد منفعتك فيضرك ، أما هو فهو العالم بكل شىء ، فإذا نصرك نصرك ..
ومن مظاهر نصره وتوليته ، ما بشرهم به بقوله (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) وهذا من أعظم مظاهر النصرة ، إذ من المعلوم أن الجيوش التي تفقد معنوياتها لا تستطيع أن تقاتل ، ولا تستطيع أن تستعمل سلاحها. وقد أعطانا الله ذلك على الكافرين (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً.) أى : بسبب شركهم ، وما من كافر إلا وهو مشرك نوع شرك ، والملحد يشرك بالله هذا الكون كله ، إذ يخلع عليه صفات