ويدل عليه قراءة ابن مسعود : وقد تب ، وروى أنه لما نزل (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) رقى الصفا وقال. يا صباحاه ، فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال : يا بنى عبد المطلب ، يا بنى فهر ، إن أخبرتكم أنّ بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقىّ؟ قالوا : نعم ، قال : فإنى نذير لكم بين يدي الساعة ، فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا (١)؟ فنزلت. فإن قلت : لم كناه ، والتكنية تكرمة؟ قلت : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون مشتهرا بالكنية دون الاسم ، فقد يكون الرجل معروفا بأحدهما ، ولذلك تجرى الكنية على الاسم ، أو الاسم على الكنية عطف بيان ، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء وأن تبقى سمة له ، ذكر الأشهر من علميه ويؤيد ذلك قراءة من قرأ ، يدا أبو لهب (٢) ، كما قيل ، على بن أبو طالب. ومعاوية بن أبو سفيان ، لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع ، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان ، أحدهما : عبد الله ـ بالجرّ ، والآخر عبد الله ـ بالنصب. كان بمكة رجل يقال له : عبد الله ـ بجرّة الدال ، لا يعرف إلا هكذا. والثاني : أنه كان اسمه عبد العزى ، فعدل عنه إلى كنيته. والثالث : أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب ، وافقت حاله كنيته ، فكان جديرا بأن يذكر بها. ويقال : أبو لهب ، كما يقال : أبو الشر للشرير. وأبو الخير للخير ، وكما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المهلب : أبا صفرة ، بصفرة في وجهه. وقيل كنى بذلك لتلهب وجنتيه وإشراقهما ، فيجوز أن يذكر بذلك تهكما به ، وبافتخاره بذلك. وقرئ أبى لهب ، بالسكون. وهو من تغيير الأعلام ، كقولهم : شمس بن مالك بالضم (ما أَغْنى) استفهام في معنى الإنكار ، ومحله النصب أو نفى (وَما كَسَبَ) مرفوع. وما موصولة أو مصدرية بمعنى : ومكسوبه. أو : وكسبه. والمعنى : لم ينفعه ماله وما كسب بماله ، يعنى : رأس المال والأرباح. أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها ، وكان ذا سابياء (٣). أو ماله الذي ورثه
__________________
ـ آل بغيض. وهي قبيلة معروفة ، ولعل شاعر متعدد ، وما حكاه بعض شراح شواهد الجامى من أن عدى بن حاتم رجل روى بنى قصرا النعمان بن امرئ القيس بظهر الكوفة ، فأعجبه فسأله : هل بنيت مثله فقال : لا ، وبنيته على حجر لو سقط سقط القصر ، فألقاه من أعلاه فخر ميتا : فهو خطأ. والصواب أن هذه الحكاية إنما وقعت لسنمار المذكور في قوله :
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر |
|
وحسن فعل كما يجزى سنمار |
لأن عدى بن حاتم صحابى من لب العرب ، وضمير «بنوه» : لأبى الغيلان بالكسر. وسنمار بكسرتين فتشديد.
و «عن» متعلقة بجزى ، أى : جزاء ناشئا عن كبر ، وفيه معنى التهكم. ويجوز أنها بمعنى البدل ، والأوجه أنها بمعنى بعد. وقيل : إنها بمعنى في ، وليس بشيء ، وعبر بالمضارع بدل الماضي استحضارا لما مضى ، لأنه عجيب.
(١) متفق عليه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما.
(٢) قال محمود : «ويؤيد ذلك قراءة من قرأ يدا أبو لهب» قال أحمد : وفي هذا دليل لأن الرفع أسبق وجوه الاعراب وأولها. ألا تراهم إنما حافظوا على صيغته التي بها اشتهر الاسم ، وكانت أول أحواله.
(٣) قوله «وكان ذا سابياء» ذكر في القاموس من هاتبها : المال الكثير والنتاج ، والإبل النتاج والغنم التي كثر نسلها. «التالد» القديم. والطارق المستحدث (ع)