مع راء مضمومة إليهما. والمعنى : يحثت وأخرج موتاها. وقيل : لبراءة المبعثرة ، لأنها بعثرت أسرار المنافقين.
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)(٨)
فإن قلت : ما معنى قوله : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) وكيف طابق الوصف بالكرم إنكار الاغترار به (١) ، وإنما يغتر بالكريم ، كما يروى عن على رضى الله عنه أنه صاح بغلام له كرّات فلم يلبه ، فنظر فإذا هو بالباب ، فقال له : مالك لم تجبني؟ قال : لثقتي بحلمك وأمنى من عقوبتك ، فاستحسن جوابه وأعتقه (٢). وقالوا : من كرم الرجل سوء أدب غلمانه. قلت : معناه أنّ حق الإنسان أن لا يغتر بتكرم الله عليه ، حيث خلقه حيا لينفعه ، وبتفضله عليه بذلك حتى يطمع بعد ما مكنه وكلفه فعصى وكفر النعمة المتفضل بها أن يتفضل عليه بالثواب وطرح العقاب ، اغترارا بالتفضل الأوّل ، فإنه منكر خارج من حد الحكمة ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلاها. «غرّه جهله» (٣) وقال عمر رضى الله عنه : غرّه حمقه وجهله. وقال الحسن : غره والله شيطانه الخبيث ، أى : زين له المعاصي وقال له : افعل ما شئت ، فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل به أوّلا وهو متفضل عليك آخرا ، حتى ورطه. وقيل للفضيل ابن عياض : إن أقامك الله يوم القيامة وقال لك : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ما ذا تقول؟ قال أقول : غرتني ستورك المرخاة. وهذا على سبيل الاعتراف بالخطإ في الاغترار بالستر ، وليس باعتذار كما يظنه الطماع ، ويطن به قصاص الحشوية ويروون عن أئمتهم : إنما قال (بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) دون سائر صفاته ، ليلقن عبده الجواب حتى يقول : غرّنى كرم الكريم. وقرأ سعيد بن جبير : ما أغرّك ، إما على التعجب ، وإما على الاستفهام ، من قولك : غرّ الرجل فهو غارّ : إذا غفل ،
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت : قوله ما غرك بربك الكريم ما معناه وكيف يطابق الوصف بالكرم ... الخ»؟ قال أحمد : حجة الزمخشري هاهنا فارغة ، فان الآية إنما وردت في الكفار ، بدليل قوله (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) ونحن نوافقه على خلودهم وانقطاع معاذيرهم ، لا على أن تخليدهم واجب على الله تعالى بمقتضى الحكمة ، فان الله لا يجب عليه شيء. ويجوز عقلا أن يثيب الكافر ويخلده في الجنة ، وبالعكس في المؤمن ، ولو لا ورود السمع باثابة المؤمنين وعذاب الكافرين فيتعين المصير إليه ، لكان ما ذكرناه في الجواز والاحتمال ، فان الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
(٢) لم أجده.
(٣) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن صالح بن سمار قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فذكره.