وقرئ : جمالة ، بالكسر ، بمعنى : جمال : وجمالة بالضم : وهي القلس. وقيل (صُفْرٌ) لإرادة الجنس. وقيل (صُفْرٌ) : سود تضرب إلى الصفرة. وفي شعر عمران بن حطان الخارجي :
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم |
|
بمثل الجمال الصّفر نزّاعة الشّوى (١) |
وقال أبو العلاء :
حمراء ساطعة الذّوائب في الدّجى |
|
ترمى بكلّ شرارة كطراف (٢) |
فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة ، وكأنه قصد بخبثه : أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله «حمراء» توطئة لها ومناداة عليها ، وتنبيها للسامعين على مكانها ، ولقد عمى : جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا ، كأنه جمالات صفر ، فإنه بمنزلة قوله : كبيت أحمر ، وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين : من جهة العظم ، ومن جهة الطول في الهواء. وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس : تشبيه من ثلاث جهات : من جهة العظم والطول والصفرة ، فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه.
قرئ بنصب اليوم ، ونصبه الأعمش ، أى : هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ ، ويوم القيامة طويل ذو مواطن ومواقيت : ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت ، ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطق ، لأنه لا ينفع ولا يسمع (فَيَعْتَذِرُونَ) عطف
__________________
(١) لعمرو بن حطان يصف جهنم. وشبهها في اختطافها للكفار بلهيبها وكلاليبها بعاقل يصح منه الدعاء على سبيل المكتبة ، فالدعاء والرمي : تخييل ، والصوت ترشيح. ويجوز أنها تفعل ذلك حقيقة ، كقولها (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وقال ابن عباس : تدعو الناس بأسمائهم بلسان فصيح وتقول : إلىّ إلىّ ، تلتقطهم كما يلقط الطير الحب ، ثم قال : ورمتهم بشرر مثل الجبال الصفر. والمراد التي يرهق سوادها صفرة. ونزاعة للشوى : فاعل. والشوى : اسم جمع شواة ، وهي الشواية : البقية القليلة من اللحم ونحوه ، وتصغر شواية على شوية لزيادة التحقير. ويحتمل أن «شوية» تصغير شيء ، قلبت ياؤه واوا وقلبت همزته ياء وألحق التاء المثناة. وقيل الشوى : الأطراف والجلد. وقيل : كل ما ليس مقتلا للإنسان ، يعنى أنها تنزع جلود أهلها وأطرافهم ، لكن يبدلون غيرها ، والألف في قافية البيت للإطلاق.
(٢) الموقدى نار القرى الأصال |
|
والاسحار بالأهضام والاشعاف |
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى |
|
ترمى بكل شرارة كطراف |
لأبى العلاء المعرى يصف قوما بالكرم ، والموقدى حذفت نوته بالاضافة لمفعوله. والآصال : جمع أصيل ، نصب على الظرفية ، أى : يوقدن النار في الآصال العشاء. وفي الأسحار لتعجيل الغذاء. والأهضام : المواضع المطمئنة. والأشعاف : أعالى الجبل ، حمراء : حال من النار. وذوائبها : أطراف لهبها في الدجى ، أى : الظلم ، ترمى : جملة حالية. وشبه الشرارة بالطراف : وهو بيت من أدم في العظم والحمرة ، وإذا كانت الشرارة كذلك فكيف النار كلها؟