والمعنى : أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها شمس وقمر. فإن قلت : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) علام عطفت؟ قلت : على الجملة التي قبلها ، لأنها في موضع الحال من المجزيين ، وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في عليهم ، إلا أنها اسم مفرد ، وتلك جملة في حكم مفرد تقديره : غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ، ودانية عليهم ظلالها ، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم ، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحرّ والقرّ ودنوّ الظلال عليهم وقرئ : ودانية ، بالرفع ، على أن ظلالها مبتدأ ، ودانية خبر ، والجملة في موضع الحال ، والمعنى : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ، والحال أن ظلالها دانية عليهم ، ويجوز أن تجعل (مُتَّكِئِينَ) و (لا يَرَوْنَ) و (دانِيَةً) كلها صفات لجنة. ويجوز أن يكون (وَدانِيَةً) معطوفة على جنة ، أى : وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها ، على أنهم وعدوا جنتين ، كقوله (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) لأنهم وصفوا بالخوف : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا). فإن قلت : فعلام عطف (وَذُلِّلَتْ)؟ قلت : هي ـ إذا رفعت (وَدانِيَةً) ـ : جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية ، وإذا نصبتها على الحال ، فهي حال من دانية ، أى : تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها لهم. أو معطوفة عليها على : ودانية عليهم ظلالها ، ومذللة قطوفها ، وإذا نصبت (وَدانِيَةً) على الوصف ، فهي صفة مثلها ، ألا ترى أنك لو قلت : جنة ذللت قطوفها : كان صحيحا ، وتذليل القطوف : أن تجعل ذللا لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا. أو تجعل ذليلة لهم خاضعة متقاصرة ، من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصيرا (قَوارِيرَا قَوارِيرَا) قرئا غير منونين ، وبتنوين الأول ، وبتنوينهما. وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق ، لأنه فاصلة ، وفي الثاني لإتباعه الأوّل ، ومعنى قوارير من (فِضَّةٍ) أنها مخلوقة من فضة ، وهي مع بياض الفضة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها. فإن قلت : ما معنى كانت؟ قلت : هو من «يكون» في قوله (كُنْ فَيَكُونُ) أى : تكوّنت قوارير ، بتكوين الله تفخيما لتلك الخلقة العجيبة الشأن ، الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين. ومنه كان في قوله : كان مزاجها كافورا. وقرئ : قوارير من فضة ، بالرفع على : هي قوارير (قَدَّرُوها) صفة لقوارير من فضة. ومعنى تقديرهم لها : أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم ، فجاءت كما قدّروا. وقيل : الضمير للطائفين بها ، دل عليهم قوله (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ) على أنهم قدروا شرابها على قدر الري ، وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز. وعن مجاهد : لا تفيض ولا تغيض. وقرئ : قدّروها ، على البناء للمفعول. ووجهه أن يكون من قدر ، منقولا من قدر. تقول : قدرت الشيء وقدرنيه فلان : إذا جعلك قادرا له. ومعناه : جعلوا قادرين لها كما شاءوا. وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا ، سميت العين زنجبيلا لطعم الزنجبيل فيها ، والعرب تستلذه وتستطيبه.