(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً)(٢)
(نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) كبرمة أعشار (١) ، وبرد أكياش : وهي ألفاظ مفردة غير جموع ، ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضا : نطفة مشج ، قال الشماخ :
طوت أحشاء مرتجة لوقت |
|
على مشج سلالته مهين (٢) |
ولا يصحّ أمشاج أن يكون تكسيرا له ، بل هما مثلان في الإفراد ، لوصف المفرد بهما.
ومشجه ومزجه : بمعنى. والمعنى من نطفة قد امتزج فيها الماءان. وعن ابن مسعود : هي عروق النطفة. وعن قتادة : أمشاج ألوان وأطوار ، يريد : أنها تكون نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة (نَبْتَلِيهِ) في موضع الحال ، أى : خلقناه مبتلين له ، بمعنى : مريدين ابتلاءه ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، تريد : قاصدا به الصيد غدا. ويجوز أن يراد : ناقلين له من حال إلى حال ، فسمى ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة. وعن ابن عباس : نصرفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة. وقيل : هو في تقدير التأخير ، يعنى : فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه ، وهو من التعسف.
(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)(٣)
شاكرا وكفورا : حالان من الهاء في هديناه (٣) ، أى : مكناه وأقدرناه في حالتيه جميعا. أو دعوناه إلى الإسلام بأدلة العقل والسمع : كان معلوما منه (٤) أنه يؤمن أو يكفر ، لإلزام الحجة. ويجوز أن يكونا حالين من السبيل ، أى : عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا كقوله (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز. وقرأ أبو السمال بفتح الهمزة
__________________
(١) قوله «كبرمة أعشار» في الصحاح «برمة أعشار» إذا انكسرت قطعا قطعا وقلب أعشار : جاء على بناء الجمع ، كما قالوا : رمح أقصاد اه ، ولم يذكر أكباش ولا مادته فيه ، فلينظر في غيره. (ع)
(٢) للشماخ. ورتجت الباب وأرتجته : إذا أغلقته. والرتاج : الباب. ومشج الشيء : مزجه. والمشج ـ كسبب ـ : الممزوج. ومثله : أمشاج ، فهو مفرد على صورة الجمع كأخلاق. وقيل : جمع مشج. والسلالة ـ في الأصل : ما ينسل من بين الأصابع من الطين المائع. والمهين : الحقير ، يصف امرأة قبلت المنى في فرجها وطوت قبلها عليه. ومرتجة صفة للأحشاء : أى مغلقة إلى وقت تمام الحمل. على منى مختلط من منى الرجل ومنيها ، سلالته : أى ما انسل وتدفق منه : مهين : حقير. وفعيل : يوصف به المذكر والمؤنث ، والواحد والمتعدد.
(٣) قال محمود «هما حالان من الهاء في هديناه ... الخ» قال أحمد : هذا من تحريفه المنكر وهو عند أهل السنة على ظاهره.
(٤) قال محمود : «أو يكون معناه إنا دعوناه إلى الايمان كان معلوما منه ... الخ» قال أحمد : واستحسانه لقراءة أبى السمال لتخيله أن في التقسيم إشعارا بغرضه الفاسد ، وليس كذلك ، فان التقسيم يحتمل الجزاء إما شاكرا فمناب ، وإما كفورا فمعاقب ، ويرشد إليه ذكر جزاء الفريقين بعد.