الْعاجِلَةَ) كأنه قال : بل أنتم يا بنى آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ، ومن ثم تحبون العاجلة (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) وقرئ بالياء وهو أبلغ. فإن قلت : كيف اتصل قوله (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) إلى آخره ، بذكر القيامة؟ قلت : اتصاله به من جهة هذا للتخلص منه ، إلى التوبيخ بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة. الوجه : عبارة عن الجملة (١). والناضرة : من نضرة النعيم (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره ، وهذا معنى تقديم المفعول. ألا ترى إلى قوله (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) ، (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) ، (إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ، (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص ، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم ، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا (٢) إليه : محال ، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص ، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بى ، تريد معنى التوقع والرجاء. ومنه قول القائل :
وإذا نظرت إليك من ملك |
|
والبحر دونك زدتني نعما (٣) |
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ، ويأوون إلى مقائلهم. تقول : عيينتى نويظرة إلى الله وإليكم ، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم ، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه ، والباسر : الشديد العبوس ، والباسل : أشد
__________________
(١) قال محمود : «الوجوه كناية عن الجملة ، وقدم إلى ربها ليفيد الحصر ... الخ» قال أحمد : ما أقصر لسانه عند هذه الآية ، فكم له يدندن ويطبل في جحد الرؤية ويشقق القباء ويكثر ويتعمق ، فلما فغرت هذه الآية فاه :
صنع في مصادمتها بالاستدلال ، على أنه لو كان المراد الرؤية لما انحصرت بتقديم المفعول ، لأنها حينئذ غير منحصرة على تقدير رؤية الله تعالى ، وما يعلم أن المتمتع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ، ولا يؤثر عليه غيره ، ولا يعدل به عز وعلا منظورا سواه ، وحقيق له أن يحصر رؤيته إلى من ليس كمثله شيء ، ونحن نشاهد العاشق في الدنيا إذا أظفرته برؤية محبوبه لم يصرف عنه لحظه ، ولم يؤثر عليه ، فكيف بالمحب لله عز وجل إذا أحظاه النظر إلى وجهه الكريم ، نسأل الله العظيم أن لا يصرف عنا وجهه ، وأن يعيذنا عن مزالق البدعة ومزلات الشبهة ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(٢) قوله «لو كان منظورا إليه» عدم كونه منظور إليه تعالى مبنى على مذهب المعتزلة ، وهو عدم جواز رؤيته تعالى. ومذهب أهل السنة جوازها. ويجوز أن يكون تقديم المفعول هنا للاهتمام بذكر المنظور إليه ، الذي يقتضى النظر إليه نضرة وجوه الناظرين ، لا للاختصاص. (ع)
(٣) يقول : وإذا رجوت مكارمك زدتني نعما فالنظر إليه كناية عن ذلك. ويجوز أن المعنى : بمجرد نظري إليك تجيبني فوق مسئولى ، ولا تحتاج إلى التصريح بالطلب. ومن ملك : تمييز مقترن بمن. والبحر دونك : جملة اعتراضية أو حالية ، أى : أقل منك في الخيرات والمكارم.