عنه تلك الشواغل ، كما يحكى عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. فإن قلت : ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قلت : إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود ، كقوله :
يا لهف زيّابة للحرث الصّابح |
|
فالغانم فالآيب (١) |
كأنه قيل : الذي صبح فغنم فآب. وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه ، كقولك : خذ الأفضل فالأكمل ، واعمل الأحسن فالأجمل. وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك ، كقوله : رحم الله المحلقين فالمقصرين ، فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات. فإن قلت : فعلى أى هذه القوانين هي فيما أنت بصدده؟ قلت : إن وحدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل ، وإن ثلثته ، فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه ، بيان ذلك : أنك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها ، فعطفها بالفاء يفيد ترتبا لها في الفضل : إما إن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة ، وإما على العكس ، وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة. وإن أجريت الصفة الأولى على طوائف والثانية والثالثة على أخر ، فقد أفادت ترتب الموصوفات في الفضل ، أعنى أن الطوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل ، والتاليات أبهر فضلا ، أو على العكس ، وكذلك إذا أردت بالصافات : الطير ، وبالزاجرات : كل ما يزجر عن معصية. وبالتاليات : كل نفس تتلو الذكر ، فإن الموصوفات مختلفة. وقرئ بإدغام التاء في الصاد والزاى والذال (رَبُّ السَّماواتِ) خبر بعد خبر. أو خبر مبتدإ محذوف. و (الْمَشارِقِ) ثلاثمائة وستون مشرقا ، وكذلك المغارب : تشرق الشمس كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب ، ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين. فإن قلت : فما ذا أراد بقوله (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)؟ قلت : أراد مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما.
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ)(٧)
(الدُّنْيا) القربى منكم. والزينة : مصدر كالنسبة ، واسم لما يزان به الشيء ، كالليقة اسم لما تلاق به الدواة ، ويحتملهما قوله (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) فإن أردت المصدر ، فعلى إضافته إلى الفاعل ، أى : بأن زانتها الكواكب ، وأصله : بزينة الكواكب : أو على إضافته إلى المفعول ، أى : بأن زان الله الكواكب وحسنها ، لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها ، وأصله (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) وهي قراءة أبى بكر والأعمش وابن وثاب ، وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان : أن تقع الكواكب بيانا للزينة ، لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها مما يزان به ، وأن يراد
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٤١ فراجعه إن شئت اه مصححه.