أهل السماء وأهل الأرض (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر ، ولم يمهلوا إلى الآخرة ، بل عجل لهم في الدنيا.
(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ)(٣١)
(مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب المهين ، كأنه في نفسه كان عذابا مهينا ، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم. ويجوز أن يكون المعنى : من العذاب المهين واقعا من جهة فرعون. وقرئ من عذاب المهين. ووجهه أن يكون تقدير قوله (مِنْ فِرْعَوْنَ) : من عذاب فرعون ، حتى يكون المهين هو فرعون. وفي قراءة ابن عباس : من فرعون ، لما وصف عذاب فرعون بالشدة والفظاعة قال : من فرعون ، على معنى : هل تعرفونه من هو في عتوّه وشيطنته ، ثم عرف حاله في ذلك بقوله (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أى كبيرا رفيع الطبقة ، ومن بينهم فائقا لهم ، بليغا في إسرافه. أو عاليا متكبرا ، كقوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ). و (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) خبر ثان ، كأنه قيل : إنه كان متكبرا مسرفا.
(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ)(٣٤)
الضمير في (اخْتَرْناهُمْ) لبنى إسرائيل. و (عَلى عِلْمٍ) في موضع الحال ، أى : عالمين بمكان الخيرة ، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. ويجوز أن يكون المعنى : مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال (عَلَى الْعالَمِينَ) على عالمى زمانهم. وقيل : على الناس جميعا لكثرة الأنبياء منهم (مِنَ الْآياتِ) من نحو فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى ، وغير ذلك من الآيات العظام التي لم يظهر الله في غيرهم مثلها (بَلؤُا مُبِينٌ) نعمة ظاهرة ، لأن الله تعالى يبلو بالنعمة كما يبلو بالمصيبة. أو اختبار ظاهر لننظر كيف تعملون ، كقوله تعالى (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).
(إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣٦)