وهم في أمنهم وغفلتهم عنها ، لا يخطرونها ببالهم مشتغلين بخصوماتهم في متاجرهم ومعاملاتهم وسائر ما يتخاصمون فيه ويتشاجرون. ومعنى خصمون : يخصم بعضهم بعضا. وقيل : تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون في الحجة في أنهم لا يبعثون (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) أن يوصوا في شيء من أمورهم (تَوْصِيَةً) ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم وأهاليهم ، بل يموتون بحيث تفجؤهم الصيحة.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(٥٢)
قرئ الصور ، بسكون الواو وهو القرن ، أو جمع صورة ، وحرّكها بعضهم. و (الْأَجْداثِ) القبور. وقرئ بالفاء (١) (يَنْسِلُونَ) يعدون بكسر السين وضمها ، وهي النفخة الثانية. قرئ : يا ويلتنا. وعن ابن مسعود رضى الله عنه : من أهبنا ، من هب من نومه إذا انتبه ، وأهبه غيره وقرئ : من هبنا بمعنى أهبنا : وعن بعضهم : أراد هب بنا ، فحذف الجار وأوصل الفعل : وقرئ : من بعثنا ، ومن هبنا ، على من الجارة والمصدر ، و (هذا) مبتدأ ، و (ما وَعَدَ) خبره ، وما مصدرية أو موصولة. ويجوز أن يكون هذا صفة للمرقد ، وما وعد : خبر مبتدإ محذوف ، أى : هذا وعد الرحمن ، أى : مبتدأ محذوف الخبر ، أى ما وعد (الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) حق. وعن مجاهد : للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم ، فإذا صيح بأهل القبور قالوا : من بعثنا ، وأما (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) فكلام الملائكة. عن ابن عباس. وعن الحسن : كلام المتقين. وقيل : كلام الكافرين يتذكرون ما سمعوه من الرسل فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا. فإن قلت : إذا جعلت (ما) مصدرية : كان المعنى : هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين ، على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق ، فما وجه قوله (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) إذا جعلتها موصولة؟ قلت : تقديره : هذا الذي وعده الرحمن والذي صدّقه المرسلون ، بمعنى : والذي صدق فيه المرسلون ، من قولهم : صدقوهم الحديث والقتال. ومنه صدقنى سن بكره. فإن قلت : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)؟ سؤال عن الباعث ، فكيف طابقه ذلك جوابا؟ قلت : معناه بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل ، إلا أنه جيء به على طريقة : سيئت بها قلوبهم ، ونعيت إليهم أحوالهم ، وذكروا كفرهم وتكذيبهم ، وأخبروا بوقوع ما أنذروا به وكأنه قيل لهم : ليس بالبعث الذي عرفتموه وهو بعث النائم من مرقده ، حتى يهمكم السؤال عن
__________________
(١) قوله «وقرئ بالفاء» في الصحاح «الجدف» : القبر ، وهو إبدال الجدث. قال الفراء : العرب تعقب بين الفاء والثاء في اللغة ، فيقولون : جدث وجدف ، وهي الأجداث والأجداف. (ع)