فرغ الدلو المؤخر ، الرشا. فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس ، و (عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) وهو عود العذق ، ما بين شماريخه إلى منبته من النخلة. وقال الزجاج : هو «فعلون» من الانعراج وهو الانعطاف. وقرئ : العرجون ، بوزن الفرجون (١) ، وهما لغتان ، كالبزيون والبزيون ، والقديم المحول ، وإذا قدم دق وانحنى واصفر ، فشبه به من ثلاثة أوجه. وقيل : أقل مدّة الموصوف بالقدم الحول ، فلو أنّ رجلا قال : كل مملوك لي قديم فهو حر. أو كتب ذلك في وصيته : عتق منهم من مضى له حول أو أكثر. وقرئ : سابق النهار. على الأصل ، والمعنى : أنّ الله تعالى قسم لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسما من الزمان ، وضرب له حدا معلوما ، ودبر أمرهما على التعاقب ، فلا ينبغي للشمس : أى لا يتسهل لها ولا يصح ولا يستقيم لوقوع التدبير على المعاقبة ، وإن جعل لكل واحد من النيرين سلطان على حياله (٢) (أَنْ
__________________
(١) قوله «وقرئ العرجون بوزن الفرجون» في الصحاح «الفرجون» : المحسة ، وقد فرجنت الدابة إذا فرجنتها. ومنه قول بعضهم : ادفنوني في ثيابي ولا تحسوا عتى ترابا ، أى : لا تتفضوه. وفيه «البزيون» : السندس. (ع)
(٢) قال محمود : «معناه أن كل واحد منهما لا يدخل على الآخر في سلطانه فيطمس نوره بل هما متعاقبان بمقتضى تدبيره تعالى. قال : فان قلت : لم جعلت الشمس غير مدركة والقمر غير سابق؟ قلت : لأن الشمس بطيئة السير تقطع فلكها في سنة والقمر يقطع فلكه في شهر ، فكانت الشمس لبطئها جديرة بأن توصف بالإدراك ، والقمر لسرعته جديرا بأن يوصف بالسبق انتهى كلامه» قال أحمد : يؤخذ من هذه الآية أن النهار تابع لليل وهو المذهب المعروف للفقهاء ، وبيانه من الآية أنه جعل الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل ، وإنما نفى الإدراك لأنه هو الذي يمكن أن يقع ، وذلك يستدعى تقدم القمر وتبعية الشمس ، فانه لا يقال : أدرك السابق اللاحق ، ولكن أدرك اللاحق السابق ، وبحسب الإمكان توقيع النفي ، فالليل إذا متبوع والنهار تابع. فان قيل : هل يلزم على هذا أن يكون الليل سابق النهار؟ وقد صرحت الآية بأنه ليس سابقا ، فالجواب : أن هذا مشترك الإلزام ، وبيانه أن الأقسام المحتملة ثلاثة : إما تبعية النهار لليل وهو مذهب الفقهاء. أو عكسه وهو المنقول عن طائفة من النحاة. أو اجتماعهما ، فهذا القسم الثالث منفي باتفاق «فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه ، وهذا السؤال وارد عليهما جميعا ، لأن من قال : إن النهار سابق الليل ، لزمه أن يكون مقتضى البلاغة أن يقال : ولا الليل يدرك النهار ، فان المتأخر إذا نفى إدراكه كان أبلغ من نفى سابقه ، مع أنه يتناءى عن مقتضى قوله (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) تنائيا لا يجمع شمل المعنى باللفظ ، فان الله تعالى نفى أن تكون مدركة فضلا عن أن تكون سابقة ، فإذا أثبت ذلك فالجواب المحقق عنه أن المنفي السبقية الموجبة لتراخى النهار عن الليل وتخلل زمن آخر بينهما ، وحينئذ يثبت التعاقب وهو مراد الآية. وأما سبق أول المتعاقبين للآخر منهما فانه غير معتبر. ألا ترى إلى جواب موسى بقوله : هم أولاء على أثرى ، فقد قريهم منه عذرا عن قوله تعالى (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) فكأنه سهل أمر هذه العجلة بكونهم على أثره ، فكيف لو كان متقدما وهم في عقبه لا يتخلل بينهم وبينه مسافة؟ فذاك لو اتفق لكان سياق الآية يوجب أنه لا يعد عجلة ولا سبقا ، فحينئذ يكون القول بسبقية النهار لليل مخالفا صدر الآية على وجه لا يقبل التأويل ، فان بين عدم الإدراك الدال على التأخير والتبعية وبين السبق بونا بعيدا ومخالفا أيضا لبقية الآية ، فانه لو كان الليل تابعا ومتأخرا لكان أحرى أن يوصف بعدم الإدراك ولا يبلغ به عدم السبق ، ويكون القول بتقدم الليل على النهار مطابقا لصدر الآية صريحا ، ولعجزها بوجه من التأويل مناسب لنظم القرآن وثبوت ضده أقرب إلى الحق من حبل وريده ، والله الموفق للصواب من القول وتسديده.