تقرير لقوله تعالى (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك ، كان مالكا لها. فإن قلت : بم يتصل قوله (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؟ قلت : بما يليه ، معناه : له ملك السماوات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة ، فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له. فله ملك الدنيا والآخرة.
(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)(٤٥)
مدار المعنى على قوله وحده ، أى : إذا أفرد الله بالذكر ولم يذكر معه آلهتهم اشمأزوا ، أى : نفروا وانقبضوا (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) وهم آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكر استبشروا ، لافتتانهم بها ونسيانهم حق الله إلى هو أهم فيها. وقيل : إذا قيل لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا ، لأن فيه نفيا لآلهتهم. وقيل : أراد استبشارهم بما سبق إليه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر آلهتهم حين قرأ «والنجم» عند باب الكعبة ، فسجدوا معه لفرحهم ، ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز ، إذ كل واحد منهما غاية في بابه ، لأنّ الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل. والاشمئزاز : أن يمتلئ غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه. فإن قلت : ما العامل في (إِذا ذُكِرَ)؟ قلت : العامل في إذا المفاجأة ، تقديره وقت ذكر الذين من دونه ، فاجئوا وقت الاستبشار.
(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(٤٦)
بعل (١) رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ، وبشدّة شكيمتهم في الكفر والعناد ، فقيل له : ادع الله بأسمائه العظمى ، وقل : أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم ، ولا حيلة لغيرك فيهم. وفيه وصف لحالهم وإعذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ووعيد لهم. وعن الربيع بن خثيم (٢) وكان قليل الكلام. أنه أخبر بقتل الحسين ـ رضى الله عنه ، وسخط على قاتله ـ وقالوا : الآن يتكلم ، فما زاد على أن قال : آه أوقد فعلوا؟ وقرأ هذه الآية. وروى أنه قال على أثره : قتل من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه.
__________________
(١) قوله «بعل رسول الله» في الصحاح : «بعل الرجل» بالكسر ، أى : دهش. (ع)
(٢) قوله «وعن الربيع بن خثيم» في النسفي : خيثم. (ع)