فإن قلت : كيف عدى وسوس تارة باللام في قوله (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) وأخرى بإلى؟ قلت : وسوسة الشيطان كولولة الثكلى (١) ووعوعة الذئب ووقوفة الدجاجة ، في أنها حكايات للأصوات وحكمها حكم صوت وأجرس. ومنه : وسوس المبرسم ، وهو موسوس بالكسر. والفتح لحن. وأنشد ابن الأعرابى :
وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق (٢)
فإذا قلت : وسوس له ، فمعناه لأجله ، كقوله :
أجرس لها يا ابن أبى كباش (٣)
ومعنى «وسوس إليه» أنهى إليه الوسوسة ، كقولك. حدّث إليه. وأسرّ إليه. أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود ، لأن من أكل منها خلد بزعمه ، كما قيل لحيزوم : فرس الحياة ، لأنّ من باشر أثره حيي (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) دليل على قراءة الحسن بن على وابن عباس رضى الله عنهم : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) بالكسر.
(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)(١٢١)
__________________
(١) قوله «كولولة الثكلى» أى الحزينة. (ع)
(٢) وسوس يدعو مخلصا رب الفلق |
|
سرا وقد أونّ تأوين العقق |
في الزرب لو يمضغ شربا ما بصق |
لرؤبة ، يصف قانصا. وسوس : تكلم في نفسه ، يدعو لله مخلصا أنه يظفره بالصيد ، وقوله «سرا» ساقه مساق الظرف للتوكيد ، أى تعلق بوسوس ، وللتأسيس إن تعلق بيدعو ، وتكون الجملة حالية مبينة للوسوسة. وقد أونّ أى : الحمير الوحشية ، والجملة أيضا حالية ، والتأوين : امتلاء الجنبين من الأون ، وهو جانب الخرج الممتلئ. والأوثان الجانبان الممتلئان. والعقق : الحوامل ، واحده عقوق كعروس ، وقيل : هو العقوق ، أى امتلأت بطونهن ماء لكثرة شربهن كامتلاء بطون الحوامل في الزرب ، حال من ضمير القانص. والزرب والزربة : قترته التي يكمن فيها وانزرب القانص : دخل الزرب. وقوله «لو يمضغ» في معنى الحال أيضا ، أى : ساكنا بحيث لو يمضغ شربا ، أى : لو يلوك بفمه مقدارا من مائه وهو الريق ، لم يبصق لئلا يسمع الصيد صوته. وأصل الشرب : النصيب من الماء ، استعاره لما يجتمع بفمه من الريق ، وبين الزرب والشرب الجناس المضارع.
(٣) أجرس لها يا ابن أبى كباش |
|
فما لها الليلة من أنفاش |
غير السرى وسائق نجاش |
«أجرس» بقطع الهمزة وبالسين المهملة ، أى : صوت واحد للإبل في السير ، فما لها في هذه الليلة انفاش ، أى : إطلاق في المرعى. والسرى : سير الليل. ونجشت الإبل : جمعتها بعد تفرق. ونجاش : صيغة مبالغة ، أى : ليس لها رعى ، بل سير شديد. وروى «اجرش» بوصل الهمزة والشين المشالة ، وهو بمعناه هنا. والجرس ـ بالمهملة ـ : الصوت الخفي ، وبالمشالة : صوت المشط في الشعر. وما شابه ذلك.