حوّاء بعد إشراكهما في الخروج ، لأنّ في ضمن شقاء الرجل وهو قيم أهله وأميرهم شقاءهم ، كما أنّ في ضمن سعادته سعادتهم ، فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها. مع المحافظة على الفاصلة. أو أريد بالشقاء التعب في طلب القوت ، وذلك معصوب برأس الرجل وهو راجع إليه. وروى أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه. قرئ : (وَأَنَّكَ) بالكسر والفتح. ووجه الفتح العطف على (أَلَّا تَجُوعَ). فإن قلت : إنّ لا تدخل على أن ، فلا يقال : إنّ أن زيدا منطلق ، والواو نائبة عن إنّ وقائمة مقامها فلم أدخلت عليها؟ قلت : الواو لم توضع لتكون أبدا نائبة عن إنّ ، إنما هي نائبة عن كل عامل ، فلما لم تكن حرفا موضوعا للتحقيق خاصة ـ كإن ـ لم يمتنع اجتماعهما كما امتنع اجتماع إنّ وأن.
(إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(١١٩)
الشبع والرىّ والكسوة والكنّ : هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان ، (١) فذكره استجماعها له في الجنة ، وأنه مكفى لا يحتاج إلى كفاية كاف ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا ، وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعرى والظمأ والضحو (٢) ، ليطرق سمعه بأسامى أصناف الشقوة التي حذره منها ، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها.
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(١٢٠)
__________________
(١) قال محمود : «ذكر تعالى الأصناف التي بها قوام الإنسان ... الخ» قال أحمد : تنبيه حسن ، وفي الآية سر بديع من البلاغة يسمى قطع النظير عن النظير ، وذلك أنه قطع الظمأ عن الجوع والضحو عن الكسوة ، مع ما بينهما من التناسب. والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها ، ولو قرن كلا بشكله لتوهم المعدودات نعمة واحدة ، وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا فقال الكندي الأول :
كأنى لم أركب جوادا للذة |
|
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال |
ولم أرشف الرزق الروى ولم أقل |
|
لخيلى كرى كرة بعد إجفال |
فقطع ركوب الجواد عن قوله «لخيلى كرى كرة» وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس مع التناسب ، وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها ، وتبعه الكندي الآخر فقال :
وقفت وما في الموت شك لواقف |
|
كأنك في جفن الردى وهو نائم |
تمر بك الأبطال كلى هزيمة |
|
ووجهك وضاح وثغرك باسم |
فاعترضه سيف الدولة بأنه ليس فيه قطع الشيء عن نظيره ، ولكنه على فطنته قصر قهمه عما طالت إليه يد أبى الطيب من هذا المعنى الطائل البديع ، على أن في هذه الآية سرا لذلك زائدا على ما ذكر ، وهو أن قصد تناسب الفواصل ، ولو قرن الظمأ بالجوع فقيل : إن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ ، لانتثر سلك رؤس الآي ، وأحسن به منتظما ، والله أعلم.
(٢) قوله «والضحو» الذي في الصحاح : ضحيت للشمس ضحا ـ ممدود ـ إذا برزت الشمس لها ، وضحيت ـ بالفتح ـ مثله. (ع)