وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد ، حيث يدل على المعنى الواحد من طريقى الإظهار والإضمار جميعا ، ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) بمعنى : ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود ، حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال : ثمرات مختلفا ألوانها (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) يعنى : ومنهم بعض مختلف ألوانه. وقرئ : ألوانها. وقرأ الزهري جدد ، بالضم : جمع جديدة ، وهي الجدّة ، يقال : جديدة وجدد وجدائد ، كسفينة وسفن وسفائن. وقد فسر بها قول أبى ذؤيب يصف حمار وحش.
جون السّراة له جدائد اربع (١)
وروى عنه : جدد ، بفتحتين ، وهو الطريق الواضح المسفر وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. وقرئ ، والدواب مخففا ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ «ولا الضألين» لأنّ كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين ، فحرك ذاك أوّ لهما ، وحذف هذا آخرهما. وقوله (كَذلِكَ) أى كاختلاف الثمرات والجبال. المراد : العلماء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فعظموه وقدروه حق قدره ، وخشوه حق خشيته ، ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ، ومن كان علمه به أقل كان آمن. وفي الحديث :
__________________
ـ إذا دار حوله ومنه : طيفت ، وهو مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل : الجار والمجرور ، ولما كان مؤنثا لحقت التاء الفعل شذوذا ، والفصيح تركها في مثله. والغيل والسند : أجمتان بجانب منى. وقيل : موضعا ماء بجانبي الحرم ، وهو قريب مما قبله. أى : حياة الذي طاف الحجيج بكعبته قسمي ، وما هريق ، والمؤمن : بالرفع عطف على المبتدأ والعائذات منصوب بالمؤمن ، والطير : عطف بيان للعائذات ، ويجوز جعله بدلا منه ، وكذا كل موصوف تبع صفته ، وهريق : أصله أريق. والجسد : البدن ، وجسد به الدم ، إذا لصق به ، فهو جاسد وجسد. فعلى الأول «أريق» بمعنى ذبح ، وعلى الثاني على ظاهره ، لكنه كناية عن الذبح ، أى وما ذبح على الحجارة المنصوبة حول الكعبة من الهدى ، والذي آمن الطير العائذات اللائذات بالحرم ، حال كونها بنظرها الحجاج في منى ولا يؤذونها لاحرامهم. وروى : يمسحها وهو أبلغ في الأمن ، وما أتيت جواب القسم ، وإن زائدة. ويجوز أنها نافية مؤكدة ثم دعا على نفسه فقال : إذا كان ذلك منى فلا رفعت سوطى إلى يدي : بيان يدي ، كناية عن أنه يضعف غاية الضعف ، وروى «سوطا» ، بدل «سوطى» أى يضعف حتى لا يقدر على رفعه.
(١) والدهر لا يبقى على حدثانه |
|
جون السراة له جدائد أربع |
لأبى ذؤيب في مرثية بنيه. والجون : الأسود ويطلق على الأبيض ، فهو من الأضداد. وسراة الظهر : أعلاه. وسراة كل شيء : أعلاه. وجديدة وجدد وجدائد ، كسفينة وسفن وسفائن. والجدائد : الأتن التي جف لبنها. والمرأة الجداء : التي لا ثدي لها : يسلى عن بنيه بأن لك عادة الدهر ، فهو لا يبقى مع ما فيه من الحدثان أحدا ، حتى أسود الظهر كناية عن حمار الوحش له أتن أربع يرعى معهن في البراري وينزو عليهن. وقيل : إنه يعيش مائتي سنة فربما يتوهم أنه لا يصيبه الدهر بشيء. ويجوز قراءة «يبقى» بالفتح. وجون بالرفع فاعل ، وله جدائد : جملة حالية أى : لا بد أن تهلك أتنه واحدة بعد واحدة ، أو يهلك هو.