الله عليه وسلم قال «لا» فقال (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) ومعنى تزيين العمل والإضلال : واحد ، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدى عليه المصالح ، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه ، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهى ، ويعتنق طاعة الهوى ، حتى يرى القبيح حسنا والحسن قبيحا ، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه ، ويقعد تحت قول أبى نواس :
اسقني حتّى تراني |
|
حسنا عندي القبيح (١) |
وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم ، فإنّ على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقى بالا إلى ذكرهم ، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم : اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم. وذكر الزجاج أنّ المعنى : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه : أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ، فحذف لدلالة (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) عليه. حسرات : مفعول له يعنى : فلا تهلك نفسك للحسرات. وعليهم صلة تذهب ، كما تقول : هلك عليه حبا ، ومات عليه حزنا. أو هو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بحسرات ، لأنّ المصدر لا يتقدم عليه صلته. ويجوز أن يكون حالا ، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ، كما قال جرير :
مشق الهواجر لحمهنّ مع السرى |
|
حتّي ذهبن كلاكلا وصدورا (٢) |
يريد : رجعن كلا كلا وصدورا ، أى : لم يبق إلا كلا كلها وصدورها. ومنه قوله :
فعلى إثرهم تساقط نفسي |
|
حسرات وذكرهم لي سقام (٣) |
وقرئ : فلا تذهب نفسك (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم.
__________________
(١) نحن نخفيها فتأتى |
|
طيب ريح فتفوح |
اسقني حتى تراني |
|
حسنا عندي القبيح |
لأبى نواس. ونخفيها ، أى : الخمر ، فتفوح : أى رائحتها ، ثم قال لساقى الخمر : اسقني حتى أسكر ، فيحسن عندي القبيح ، وحسنا : المفعول الثاني ، والقبيح مرفوع به ، واستحسانه : كناية عن اشتداد السكر.
(٢) لجرير يصف نوقا بالهزال. يقال : فرس ممشوق ، أى : طويل مهزول. وجارية ممشوقة : رقيقة القوام. والهاجرة : شدة الحر. والسرى ـ بالضم ـ : سير الليل. والكلكل والكلكال : الصدر ، وعطف الصدور على الكلاكل للتفسير ، أى : صرن من شدة الحر والسير كأنهم عظام فقط لا لحم عليهن.
(٣) لما أصابه الحزن بعد ذهاب الأحباب وتمكن من نفسه ، تخيل أنها تتناثر وتنزل من جسمه حال كونها حسرات متتابعة ، وجعل النفس حسرات لامتزاجها بها ، فكأنها هي. أو تتساقط بعدهم لأجل الحسرات والأحزان وهو أوجه. وذكرهم : أى تذكرهم سقام لي ، وهو بالفتح مصدر كالسقم.