ثم قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بين أن يكونوا مرضى القلوب منافقين ، أو مرتابين في أمر نبوّته ، أو خائفين الحيف في قضائه. ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أى لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله ، وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم ويتمّ لهم جحوده ، وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ثمة يأبون المحاكمة إليه.
(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٥١)
وعن الحسن : قول المؤمنين ، بالرفع والنصب أقوى ، لأنّ أولى الاسمين بكونه اسما لكان. أوغلهما في التعريف ، وأن يقولوا : أوغل ، لأنه لا سبيل عليه للتنكير ، بخلاف قول المؤمنين ، وكان هذا من قبيل كان في قوله (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) ، (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) وقرئ ، ليحكم ، على البناء للمفعول. فإن قلت : إلام أسند يحكم؟ ولا بدّ له من فاعل. قلت : هو مسند إلى مصدره ، لأن معناه : ليفعل الحكم بينهم ، ومثله : جمع بينهما ، وألف بينهما. ومثله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) فيمن قرأ (بَيْنَكُمْ) منصوبا : أى وقع التقطع بينكم. وهذه القراءة مجاوبة لقوله (دُعُوا).
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(٥٢)
قرئ : ويتقه ، بكسر القاف والهاء مع الوصل وبغير وصل. وبسكون الهاء. وبسكون القاف وكسر الهاء : شبه تقه بكتف فخفف ، كقوله :
قالت سليمى اشتر لنا سويقا (١)
ولقد جمع الله في هذه الآية أسباب الفوز. وعن ابن عباس في تفسيرها (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) في
__________________
(١) قالت سليمى اشتر لنا سويقا |
|
وهات خبز البرّ أو دقيقا |
للعذافر الكندي. يقال : شار العسل ونحوه ، واشتاره : إذا اجتناه وأخذه من مكانه ، فقوله «اشتر» أمر من الاشتيار. ويحتمل أنه من الاشتراء ، وسكنت راؤه للضرورة ، أى : اطلب لنا سويقا. وهو ما تعمله العرب من الحنطة والشعير. وهات : بكسر التاء أمر للمذكر ، طلبت منه السويق للأدم ، وخيرته بين أن يأتى بخبز وبين أن يأتى بدقيق وهي تخبزه. ويروى : «وهات بر البخس أو دقيقا» والبخس : الأرض التي تنبت من غير سقى ، وفي بقية الرجز أنها طلبت منه لحما وخادما وصبغا لثيابها بالعصفر ، فقال :
يا سلم لو كنت لذا مطيقا |
|
ما كان عيشى عندكم ترنيقا |
أى : مدة ترنيق الطائر ، أى : صف جناحيه في الهواء.