(وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ)(٤٩)
معنى (إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى رسول الله كقولك : أعجبنى زيد وكرمه ، تريد : كرم زيد. ومنه قوله :
غلّسنه قبل القطا وفرّطه (١)
أراد : قبل فرط القطا. روى : أنها نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض ، فجعل اليهودىّ يجرّه إلى رسول الله ، والمنافق يجرّه إلى كعب بن الأشرف ويقول : إن محمدا يحيف علينا. وروى أنّ المغيرة بن وائل كان بينه وبين علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه خصومة في ماء وأرض ، فقال المغيرة : أمّا محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علىّ (إِلَيْهِ) صلة يأتوا ، لأنّ «أتى و «جاء» قد جاءا معدّيين بإلى ، أو يتصل بمذعنين لأنه في معنى مسرعين في الطاعة. وهذا أحسن لتقدّم صلته ودلالته على الاختصاص. والمعنى : أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المرّ والعدل البحت. يزورّون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق ، لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم ، وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك ، لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمّة الخصم (٢).
(أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٥٠)
__________________
(١) ومنهل من الفيافي أوسطه |
|
غلسنه قبل القطا وفرطه |
في ظل أجاج المقيظ مغبطه |
المنهل : الوادي ومسيل الماء. والفيافي : الصحارى ، جمع فيفاء. والظاهر أن أوسطه صفة منهل المجرور برب المحذوفة ، وهاؤه للسكت ، ولو جعلته بدل بعض والهاء ضمير المنهل : لزم جر المعرفة برب ، مع إمكان التخلص عنه إلا عند من جعل ضمير النكرة نكرة فلا محذور. ويروى : من الفلا في أوسطه. والفلا واحده فلاة ، أى : مفازة. والرواية : غلسنه بالتشديد ، أى سرنه في وقت الغلس وهو ظلمة الفجر ، أو وردنه فيه. والفرط من القطا : المتقدمات السابقات لغيرها ، جمع فارط ، كركع وراكع. وخصها لأنها أسرع الطير خروجا من أوكارها. وأجاج المقيظ : شعاع الشمس يرى في شدة القيظ أى الحر كأنه يسير. وأجت النار : اشتعلت ، والحر : اشتد ، والظليم : أسرع وله حفيف ، والأمر : اختلط. وأجاج : صفة مبالغة منه. وأغبط الشيء فهو مغبط : دام واستمر فمغبطه الدائم الكثير منه. والمعنى : أنه يبتدئ السير قبل السابقات من القطا ، ويستمر عليه مع اشتداد الحر في ظل شعاع الشمس ، لا يظله إلا هو إن كان له ظل ، وهذا من المبالغة في النفي. ويجوز أنه اعتاده فصار عنده كالظل. ويجوز أن المعنى : تحت كنفه وسترته وجاهه الشبيه بالظل.
(٢) قوله «ما ذاب لهم في ذمة الخصم» في الصحاح : ذاب لي عليه من الحق كذا : إذا وجب وثبت. (ع)