(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ)
تمرّد مارد وعزّ الأبلق (١)
ولبعضهم :
يأبى على أجفانه إغفاءه |
|
همّ إذا انقاد الهموم تمرّدا (٢) |
أبت الرّوادف والثّدىّ لقمصها |
|
مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا (٣) |
(قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله تعالى ممن لا يعلم ، كان يجعل الضمير للخضر ، لأنّ ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم ، أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة ، فتحمل ليردّه إلى ما هو عنده أصح وأفصح ، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز كان أدخل في الإعجاز. وانقض : إذا أسرع سقوطه ، من انقضاض الطائر وهو يفعلّ ، مطاوع قضضته. وقيل : افعلّ
__________________
ـ حبسا صعبا فيأخذ ثأر أبيه. ويجوز أن محبسا ظرف يدل من بها. وشبهت الظن بمن يصح منه الصدق في الخبر على طريق الكناية ، والصدق تخييل لذلك. أو المعنى : فان يك ظنى مطابقا للواقع.
(١) وقد قالت الزبا لحصن سموأل |
|
تمرد مارد وعز الأبلق |
مارد : هو حصن دومة الجندل. والأبلق : حصن سموأل ، قصدتهما الزبا ملكة الجزيرة فاستصعبا عليها ، فقالت ذلك ، وصار يضرب مثلا. وقوله : لحصن سموأل ، أى : ولحصن دومة الجندل. تمرد : صار أملس ناعما ، ومرد مردا ومرودة ، إذا كان أملس لا شعر فيه والمكان لا نبات فيه ، أو تمرد بمعنى تشيطن ، وفعل أهله فعل المردة من الجن ، فهو لا يستطيع أحد طلوعه. وعز إن كان مضارعه بضم العين كان متعديا بمعنى غالب ، وإن كان بكسرها كان لازما بمعنى امتنع. والمعنى : أنها لم تقدر على بلوغ مرادها منهما لشجاعة أهلهما.
(٢) للزمخشري. والهم : ما يهتم به ، وهو فاعل. والاغفاء. النوم الخفيف ، وهو مفعول ، وذلك مجاز عن تسبب الهم في منع النوم. وانقياد الهموم : مجاز عن سكونها ، وتمرد الهم مجاز عن تزايده وكثرة خطوره بالبال. أو شبه الهموم بحيوانات يصح منها الانقياد والتمرد على طريق المكنية ، والتمرد ضد الانقياد ، وهما تخييل.
(٣) أبت الروادف والثدي لقمصها |
|
مس البطون وأن تمس ظهورا |
وإذا الرياح مع العشى تناوحت |
|
نيهن حاسدة وهجن غيورا |
الاباء : المنع الاختياري فشبه الروادف والثدي لكبرها بمن يصح منه ذلك على طريق المكنية والاباء تخييل. والأقرب أنه مجاز مرسل ، والمراد به مطلق المنع ، والكلام بعد ذلك كناية عن نهود ثدييها وكبر رد فيها وضمور خصريها. وفيه لف ونشر غير مرتب ، لأن مس البطون يرجع للثدي ، ومس الظهور يرجع للروادف. وعبر بالجمع عن غيره مجازا. أو اعتبر الأجزاء ، فالتجوز في مفرد الجمع. والثدي بالتشديد : جمع ثدي بالتخفيف. والقمص : جمع قميص. وتناوح الجبلان. تقابلا ، فالمراد بالتناوح : التقابل ، بحيث يجيء بعض الرياح من أمامها وبعضها من خلفها ، فتظهر روادفها ونهودها وتلتصق الثياب بخصرها فيظهر ضموره ، فتنبه الحاسدة لها ، ويهيج الغيور لكراهة ذلك من الرياح. وهاج الشيء : هام ، وهاجه : هيمه ، وهيجه : هيمه. وما هنا من الوسط. ويجوز أنه شبه على طريق المكنية. أو شبه أصواتها اللينة بالتناوح على طريق التصريحية ، ثم جعل ذلك كناية عن تقابلها لأنها إنما يكون لها أصوات إذا تقابلت فاضطربت ، ومع : بمعنى في.