وسمعت من يقول : عزم السراج أن يطفأ ، وطلب أن يطفأ. وإذا كان القول والنطق والشكاية والصدق والكذب والسكوت والتمرد والإباء والعزة والطواعية وغير ذلك مستعارة للجماد ولما لا يعقل ، فما بال الإرادة؟ قال :
إذا قالت الأنساع للبطن الحق (١)
تقول سنّى للنّواة طنّى
لا ينطق الّلهو حتّي ينطق العود (٢)
وشكا إلىّ بعبرة وتحمحم (٣)
فإن يك ظنّى صادقا وهو صادقي (٤)
__________________
ـ لدهريهم بالإحسان ويريده ، وهم من باب رد أيضا ، أى : دهر يريد الإحسان لا الاساءة كعادة الدهر ، فشبه الزمان بإنسان يصح منه إرادة الإحسان على طريق المكنية ، والهم تخييل. ويحتمل أن إسناد الهم له مجاز عقلى كاسناد اللف ، وهما في الحقيقة لله.
(٢) فاستنطق العود قد طال السكوت به |
|
لا ينطق اللهو حتى ينطق العود |
لأبى نواس ، شبه صوت العود على وجه الاستقامة والحسن بالنطق بالغناء على طريق التصريحية. أو شبه العود بإنسان على طريق المكنية والنطق تخييل ، والسين والتاء للطلب ، والسكوت ترشيح لذلك ، لأنه ضد التكلف. والمراد بنطق اللهو زيادته وحسنه ، فهو من باب المشاكلة ، وهل هي حقيقة أو مجاز أو كناية أو قسم رابع؟ خلاف بين القوم بين في البيان.
(٣) فازور من وقع القنا بلبانه |
|
وشكا إلى بعبرة وتحمحم |
لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى |
|
ولكان لو علم الكلام مكلمي |
لعنترة بن شداد من معلقته ، يصف فرسه بأنه ازور أى مال من وقوع الرماح بلبانه ، وهو موضع اللبب من صدره ، وشبهه بالعاقل على طريق المكنية والشكاية تخييل ، والعبرة : البكاء. والحمحمة : صوت الصهيل يشبه الحنين ، لو كان يعلم ما هي المحاورة والمخاطبة لاشتكى إلىّ وخاطبني حقيقة ، وإنما يشكو إلى بالعبرة والتحمحم فقط. وفسره بقوله : ولكان مكلما لي لو علم الكلام ، وذلك مبالغة في شدة الحرب.
(٤) لهفي على القوم الذين تجمعوا |
|
بذي السيد لم يلقوا عليا ولا عمرا |
فان يك ظنى صادقا وهو صادقي |
|
بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا |
لكنز أم شملة بن برد المنقري ، وذو السيد ـ بالكسر ـ : موضع المعركة ، والسيد : الذئب. وقولها «وهو صادقي» اعتراض. وبشملة : متعلق بظنى. تقول : يا تلهفى على القوم الذين اجتمعوا في ذلك الموضع ولم يلاقهم أحد هذين الفارسين ، فقتلوا بردا أبا شملة. فان يك ظنى به صادقا مع أن عادته يصدقني ، يحبسهم شملة في تلك المعركة ـ