أرنى أنظر إليك ،
ولأنه إذا زجر عما طلب ، وأنكر عليه في نبوّته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى ،
وقيل له : لن يكون ذلك : كان غيره أولى بالإنكار ، ولأنّ الرسول إمام أمته ، فكان
ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعاً إليهم. وقوله (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم ، دليل على أنه ترجمة عن
مقترحهم وحكاية لقولهم ، وجل صاحب الجمل أن يجعل الله منظوراً إليه ، مقابلا بحاسة
النظر ، فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله تعالى من واصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد ،
والنظام ، وأبى الهذيل والشيخين ، وجميع المتكلمين؟ فإن قلت : ما معنى (لَنْ)؟ قلت : تأكيد النفي الذي تعطيه «لا» وذلك أن «لا» تنفى المستقبل. تقول : لا أفعل غداً ، فإذا
أكدت نفيها قلت : لن أفعل غداً. والمعنى : أنّ فعله ينافي حالى ، كقوله (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ
اجْتَمَعُوا لَهُ) فقوله (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ) نفى للرؤية فيما يستقبل. ولن تراني تأكيد وبيان ، لأنّ
المنفي مناف لصفاته. فإن قلت : كيف اتصل الاستدراك في قوله (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) بما قبله؟ قلت : اتصل به على معنى أنّ النظر إلىّ محال فلا
تطلبه ولكن عليك بنظر آخر : وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية
لأجلهم ، كيف أفعل به وكيف أجعله دكا بسبب طلبك الرؤية؟ لتستعظم ما أقدمت عليه بما
أريك من عظم أثره ، كأنه عزّ وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله (وَتَخِرُّ الْجِبالُ
هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً). (فَإِنِ اسْتَقَرَّ
مَكانَهُ)
__________________