وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل. كما نكرت النار في التمثيل الأول. وقرئ : كصائب ، والصيب أبلغ. والسماء : هذه للمظلة. وعن الحسن : أنها موج مكفوف. فان قلت : قوله : (مِنَ السَّماءِ) ما الفائدة في ذكره؟ والصيب لا يكون إلا من السماء. قلت : الفائدة فيه أنه جاء بالسماء معرفة فنفى أن يتصوّب من سماء ، أى من أفق واحد من بين سائر الآفاق ، لأنّ كل أفق من آفاقها سماء ، كما أن كل طبقة من الطباق سماء في قوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها). الدليل عليه قوله :
ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنا وسَمَاءِ (١)
والمعنى أنه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء ، كما جاء بصيب. وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتنكير. أمد ذلك بأن جعله مطبقا. وفيه أن السحاب من السماء ينحدر ومنها يأخذ ماءه ، لا كزعم من يزعم أنه يأخذه من البحر. ويؤيده قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ
__________________
ـ درس وهلك ، وعفته الريح : أهلكته ودرسته. والجد ـ بالضم ـ البئر التي في موضع كثير الكلأ. والجدد : الأرض الصلبة ، ضد الحبار. والأجداد جمع للأول أو للثاني. والجدد : الطرائق المنعطفة من الرمل. ويجوز أن الأجداد جمعه أيضاً ، لكن على روايته «روضة» بالنصب والاضافة للضمير. والأجداد بالرفع. والنقب ـ كالشعب ـ : الطريق المطمئن في الجبل. ونقب المكان ينقب : صار ذا نقب. وكذلك يشعب صار ذا شعب. هذا والمتبادر أنه بالعين بدل القاف ، أى يقفر ، من النقبة وهي الاقفار. والآي واحده آية ، بمعنى العلامات والآثار. وشبه اختلاف الرياح على وجوه منضبطة بالنسج على طريق التصريحية. والأسحم : الأسود ، وهو صفة السحاب. والداني : القريب. وروى «داج» والداجي المظلم. والصيب : كثير الأمطار. والاستفهام تعجبي. يقول : أتعجب من مباعدتنا الرسم الجديد من دار سعاد؟ أو أتعجب من مرورنا بجانب رسم سعاد الجديد الذي هلكت آثاره فصار طرقا متسعة؟ والذي محا أثره هو اختلاف الرياح وتتابع الأمطار. فعفا استئناف بيانى. وشبه السحاب برجل صدق وعده على طريق المكنية. والصدق والوعد تخييل. وروى الرعد بالراء ، شبه رعده بالخبر الصادق. وصيب : فيعل من صاب يصوب ، إذا نزل مائلا إلى جهة ، كسيد من ساد يسود.
(١) فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها |
|
ومن بعد أرض بيننا وسماء |
«أوه» بالتشديد مع فتح الواو وكسرها مبنى على السكون. وروى بضم الهمزة وسكون الواو. وفيه لغة ثالثة بابدال الواو ألف مد مبنى فيهما على الكسر : اسم فعل للتوجع. وما زائدة بعد إذا للدلالة على تعميم الأوقات. يقول : أتوجع من تذكر المحبوبة كلما تذكرتها ، ومن بعد ما بيننا من قطعة أرض وقطعة سماء تقابل تلك القطعة فأطلق الأرض والسماء على بعض كل منهما ، وذكرهما لافادة ذلك ، لكن المقرر عندهم أن التنوين إنما يفيد التبعيض في الأفراد لا في الأجزاء ، فلا يتم ما تقدم إلا بعد ادعاء أن السماء تطلق على بعض تلك المظلة ، والأرض على بعض هذه المقلة ؛ ليكون البعض فرداً من الأفراد لا جزءاً من الأجزاء. وذكر السماء دلالة على تناهى البعد في الأرض ، لأنه يظهر فيها قبل ظهوره في السماء. ويجوز أن المراد تشبيه البعد بينهما بالبعد بين السماء والأرض. وعليه فالتنوين للتهويل والتعظيم.