فعل القول وإما فعل الأمر ، وكلاهما لا وجه له. أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير ، لا تقول : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله. ولكن : ما قلت لهم إلا اعبدوا الله. وأما فعل الأمر ، فمسند إلى ضمير الله عز وجل. فلو فسرته باعبدوا الله ربى وربكم لم يستقم ؛ لأن الله تعالى لا يقول : اعبدوا الله ربى وربكم ، وإن جعلتها موصولة بالفعل (١) لم تخل من أن تكون بدلا من ما أمرتنى به ، أو من الهاء (٢) في به ، وكلاهما غير مستقيم ؛ لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه. ولا يقال : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله ، بمعنى ما قلت لهم إلا عبادته ؛ لأن العبادة لا تقال. وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء (٣) لأنك لو أقمت (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) مقام الهاء ، فقلت : إلا ما أمرتنى بأن اعبدوا الله ، لم يصح ، لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته. فإن قلت : فكيف يصنع؟ (٤) قلت يحمل فعل
__________________
(١) عاد كلامه. قال : «وأما فعل الأمر فمسند إلى ضمير الله عز وجل ... الخ» قال أحمد : ويجوز أيضا هذا الوجه على صرف التفسير إلى المعنى ، كأنه حكى معنى قول الله عز وجل له بعبارة أخرى ، وكأن الله تعالى قال له : مرهم بعبادتي ، أو قال لهم على لسان عيسى : اعبدوا الله رب عيسى وربكم ، فلما حكاه عيسى عليه السلام قال : اعبدوا الله ربى وربكم ، فكنى عن اسمه الظاهر بضميره ، كما قال الله تعالى حكاية عن موسى (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) فانظر كيف جاء أول الكلام حكاية لقول موسى ، وموسى لا يقول : فأخرجنا ، ولكن فأخرج الله ، فلما حكاه الله تعالى عن موسى رد الكلام إليه تعالى ، وأضاف الإخراج إلى ذاته على طريقة المتكلم لا الحاكي ، وكذلك قوله تعالى : (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) إلى قوله : (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ونظائره كثيرة. وقد قدمت نحواً من هذا البحث عند قوله تعالى حكاية عن اليهود (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) لما استبعد الزمخشري أن تصفه اليهود بهذه الصفات المنافية لاعتقادهم فيه.
(٢) عاد كلامه. قال : «وإن جعلت أن موصولة مع فعل الأمر ... الخ» قال أحمد : أى فلا يقدر بالعبادة ولكن بالأمر بها ، كأنه قيل : ما قلت لهم إلا الأمر بالعبادة لله ، والأمر مقول لقلت ، على أن جعل العبادة مقولة ليس ببعيد ، على طريقة (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أى للوطء الذي قالوا قولا يتعلق به. وكقوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً) وسيأتى له تصحيح هذا الاستعمال لوروده كثيراً في القرآن الكريم.
(٣) عاد كلامه. قال : «وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك ... الخ» قال أحمد : وهذا أيضا غير مانع من البدل ، وإنما يواجه المصنف بما لا يسعه إنكاره ، فقد قال في مفصله ما هذا نصه : وقولهم : إن البدل في حكم تنحية الأول ، إيذان منهم باستقلاله بنفسه ومفارقته للتأكيد والصفة في كونهما اسمين لما يتبعانه ، لا أن يعنوا إهدار الأول وإطراحه. ألا تراك تقول : زيداً رأيت غلامه رجلا صالحا ، فلو ذهبت إلى إهدار الأول لم يسند كلامك. فانظر كيف يرد كلامه في المفصل وهو الحق ما ارتكبه من رد البدل في هذه الآية ، للزوم طرح الأول فتخلو الصلة من الضمير : ولم يجعل هذا القدر مانعا في المثال المذكور. مع أنك لو طرحت الأول لخلا الخبر من الضمير العائد ولم يسند الكلام. فهذه وجوه أربعة منعها في إعراب «أن» وكلها مسندة حسبما بينا. وهذه المساجلة في هذا الاعراب من الغرر والحجول في صناعة الاعراب وعلم البيان. وفرسان هذا المضمار قليل.
(٤) عاد كلامه. قال : فان قلت كيف يصنع؟ قلت : يحمل فعل ... الخ» قال أحمد : هذا التأويل لتوقع أن المفسرة بعد فعل في معنى القول ، وليس قولا صريحا. وحمل القول على الأمر مما يصحح المذهب الآخر في إجازة